الاثنين، 14 مارس 2022

الباحث والناشط النقابي «محمد علي خوجلي» يستخلص دروس ثورة أكتوبر ويكشف عن المجموعة التي سعت لإجهاض شعار «عودة الجيش إلى ثكناته»

- جماهير أكتوبر خرجت من أجل استعادة الديمقراطية والسيادة الوطنية

- جمال عبد الناصر كان لايريد وجود نظام ديمقراطي في السودان


مجموعات سياسية وعسكرية عديدة دعمت ثورة 21 أكتوبر 1964، وأجبرت المجلس العسكري لنظام الجنرال إبراهيم عبود، على تسليم السلطة للشعب، لكن عدة محاولات جرت لاحقاً للانقضاض على مكتسبات الثورة تم إفشالها في مهدها، قبل أن تنجح مؤخراً تلك المجموعات في تمهيد الطريق لانقلاب 25 مايو 1969م، والذي قضى على آمال الشعب السوداني بتثبيت أركان نظام الحكم الديمقراطي، حيث جاءت بالحكم العسكري المايوي بديلاً لديمقراطية أكتوبر.
في الأسطر التالية يقدم الكاتب الصحافي المهتم بالتوثيق لتلك الحقبة الأستاذ محمد علي خوجلي، لـ (الجريدة) بعض الإضاءات حول أبرز الأحداث التي صنعها من انقلبوا على أكتوبر.

حاوره: عبدالهادي الحاج

لماذا لم تتمكن القوى التي أطاحت بنظام عبود، من الحفاظ على شعارات اكتوبر؟

الشعار الرئيس الذي رفعه معارضي الحكم العسكري كان هو (عودة الجيش إلى ثكناته)، وكل المذكرات التي صدرت عن تنظيمات الطلاب والعمال والمزارعين تبنت هذا الشعار، لكن القوميين العرب، سعوا لخرق هذا الشعار، من خلال قيادة انقلاب مضاد يُمكّن تنظيم الضباط الأحرار المحسوب عليهم من استلام السلطة، وحتى جعفر نميري ومجموعته حينما دعموا الحركة الجماهيرية المطالبة بعودة الجيش إلى ثكناته، وقبل أن يصل الأمر إلى نهايته وجدوا أنفسهم يمثلون المجموعة المسيطرة داخل الجيش عبر الإجراءات التي اتخذوها ومنها اعتقال كبار الضباط في المجلس العسكري التابع لنظام عبود، وأرادوا حينها الإنقلاب على شعار عودة الجيش إلى ثكناته، وهذا ما عارضه الضباط الشيوعيين، ولم يتفقوا معهم في ذلك ما دفع النميري لاعتبار موقف الشيوعيين بمثابة خيانة لهم، لذلك نجد أن المجموعة التي نفذت لاحقاً انقلاب مايو 1969م، كانت هي ذات المجموعة التي أرادت الانقلاب على شعار ثورة أكتوبر المتمثل في عودة الجيش إلى ثكناته.

لكن تلك القوى اشارت إلى دعمها للديمقراطية وعودة السلطة للشعب؟

لا يمكن بأي حال وصف تلك القوى بانها ديمقراطية، وحينما تسلموا مقاليد السلطة لاحقاً في مايو 1969م، انتقدوا الديمقراطية، وما يؤكد ذلك الإجراءات التي اتخذوها مثل حل الأحزاب بموجب الأمرين الجمهوريين (1) و(2)، و اللذان قضيا بحظر النشاط السياسي.

ماذا كان دور القوى الديمقراطية وسط اليسار؟

كانت هنالك مجموعة من اليسار تعمل على دعم سلطة الجبهة الوطنية الديمقراطية، وهذا يتضح من خلال حديث سكرتير الحزب الشيوعي الشهيد عبدالخالق محجوب، والذي ذكر فيه أن الإضراب السياسي رغم أنه عمل إيجابي تحقق له النجاح إلا أنه انطوى على جوانب سلبية تمثلت في عدم وجود قوى تعمل على حمايته، ومثلما فكّر القوميين العرب في الإنقلاب على أكتوبر، فإن الشيوعيين كانوا يفكرون بصورة أخرى وشكل آخر يرى عدم وجود قوة عسكرية لحماية مكتسبات ثورة اكتوبر وعدم وجود جبهة وطنية ديمقراطية على اعتبار أن جبهة الهيئات متعددة وتضم مجموعات من اليمين، ومع ذلك نجد ان الشيوعيين قد توقفوا عند هذا الحد، وبالضرورة عارضوا انقلاب القوميين العرب وتحديداً الناصريين، وكانوا على قناعة بأن جمال عبد الناصر، ما كان له أن يسمح بوجود نظام ديمقراطي في السودان، لذلك لاحقاً اشرف بشكل مباشر على انقلاب مايو 1969م وهو المحاولة الناجحة بعد المحاولة التي تم إجهاضها في نوفمبر 1964م.

هل ثمة قاسم مشترك دفع تلك القوى لاتخاذ هذه المواقف؟

القاسم المشترك بين تلك المجموعات هو عدم قناعتها بالديمقراطية الليبرالية الغربية التي جاءت بها ثورة أكتوبر، والذين دعموا هذا الإتجاه كانوا يشيرون إلى أن الأحزاب التي سلمت السلطة للجنرال عبود، هي التي فازت في أول انتخابات بعد ثورة أكتوبر، ونلاحظ أن أول حكومة تم تشكيلها بعد نجاح الثورة قد سيطرت عليها جبهة الهيئات واليسار والهدف منها كان إبعاد الأحزاب التقليدية عن السلطة، لكن الأخيرة اصطفت من أجل هدفان أساسيان وهما اضعاف حكومة جبهة الهيئات واليسار ومن ثم الضغط لتكون الفترة الإنتقالية قصيرة جداً لإجراء الإنتخابات، وهذا ما كشفت عنه لاحقاً وثائق بريطانية، لانه بإجراء الإنتخابات سوف تعود القوى التقليدية للسلطة، وهو ما حدث بالفعل وأدى لعودة الممارسات السابقة من قبل تلك القوى ونتج عنها في خاتمة المطاف حل الحزب الشيوعي السوداني وطرد نوابه من البرلمان.

ماهو الدرس المُستفاد من تلك الأحداث؟

الدرس الرئيس المُستفاد من تلك الممارسات، هو أنه ليس بالضرورة الأخذ بالديمقراطية الليبرالية بشكلها الغربي، ومع ذلك فإن أي شكل آخر لنظام الحكم لايُجدي نفعاً، لأن من عارضوا نظام عبود ووقفوا ضده وخرجوا في 21 أكتوبر، لم يفعلوا ذلك بسبب الأوضاع الإقتصادية السيئة، بل لسببين هما غياب الديمقراطية، والميل نحو الأجنبي، وكانوا يرون حينها أن السودان كأنما صار ولاية امريكية بسبب التدخل الأمريكي في شؤون البلاد، وكذلك تدخل الدولة المصرية، لذا يمكن القول أن جماهير 21 أكتوبر خرجت إلى الشارع من أجل استعادة الديمقراطية والسيادة الوطنية، وهذا ما يفسر الهجوم الذي تعرضت له السفارتين الأمريكية والمصرية خلال أيام الثورة.

من أرشيف صحيفة الجريدة السودانية- نُشر في أكتوبر  2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق