عبدالهادي الحاج
قُرص الشمسُ يتهاوى خلف التلال التي ترسم فاصلاً بيننا وماتُخبيئه الأقدار.. المدينة سوف تتذوق طعماً مختلفاً هذه الليلة.. تُساورنى شكوك أن ثَمَة مجهولاً يتربصُ بي.. لكن من أين يأتي هذا المجهول؟؟ وكيف له أن يخترقَ قلاع الأفراح المنتصبة في يوم كأنما الناس جميعاً قد أتفقوا على أن يُخضبوه بها..
صوتُها يأتي مُشتعلاً عبر الهاتف.. (مابك يا حبيبى تبدو مُتكاسلاً ؟؟ هل نسيت موعدنا الليلة؟؟ هل نسيت أننا قد تخطينا مئات الليالي لأجل هذه الليلة ؟؟).
نعم تخطينا مئات الليالي.. فهي كانت مُحقة فيما تقول.. من أجل ليلة واحدة هدمنا الليالي على كثرتها.. غُرفتي هي الأخرى كانت تقاسمني الريبة.. النافذة تحملُ أصوات من الخارج تبدو أقرب لصافرات الإنذار أو هكذا خُيل لي.
هدير مُحركات السيارات.. صيحاتُ النساء.. ضحكات الصبية.. وأيضاً لُعب الأطفال كان لها مكان في هذه الجوقة.
تعترك الأصوات ثم تَنَفك.. تعلو ثم تنخفض.. وأخيراً تلاشت حينما رن جرس الهاتف مرة أخرى.. والصوت الآتي يسأل ثم يُجيب على نفس السؤال ويعود ليؤكد ثم ينفي.. ثم يتلاشى على أمل العودة ثانية.
لحظة مفصلية تضخم فيها إحساسي بالـ(شيزوفرينيا).. وكانما أصبحتُ شخصاً آخر نهض من نومه إثر كابوس مفزع.. رحت أبحث عن الهندام والعطر والمعطف والحذاء الأكثر أناقة.. شعرت أن لصاً قد تسلل وسرق إحساسي بالوقت.
الشَطَ .. نعم .. الشَطَ كان مقصدي حيث تُنصب الأفراح.. وتُصبح الأرض مستقرً ومتاعُ إلى حين.. وحيث تُضاء مصابيح الأحلام المؤجلة إلى الغد القريب.
بدت لي وهى تمتطي آخر ليلة في العام كأنما هي آخر أنثى في الكون.. لم أكن اُطلق عليها لقباً كبقية البشر الذين التقيهم.. ولم أصنعُ إطاراً يجمعني بها سوى أنها (اُنثاي الوحيدة).
تقدمت نحوي خطوة وهي تشقُ الأصواتُ الغريبة.. خطوة ثانية ثم ثالثة.. اخترقت جسدي بعطرها.. همست في أذني بأن هذا المكان أوسع من أن يحتملنا.. اقتلعتني ورحلت بي بعيداً عن الشَطَ.. بعيداً عن رغبتي.. حاولتُ أن .. ولكن لامجال فقد قُضي الأمر.
شعرتُ بأنه كان يجب علي أن أثور!!.. لكن لم أكن لم أعلم ما الذي يجب أن أثور من أجله.. هل لرغبتى في معانقة الشَطَ ؟؟ لا .. فالشَطَ كان رغبتها هي ؟؟ هل لرغبتي في المغادرة لمكان آخر ؟؟ لا .. فتلك رغبتها أيضاً ؟؟.
يالها من اُنثى مستبدة .. كثيراً ما استلبت إرادتي بلا ثمن.. تقول إحدى أساطير اليونان إن إله الحب وإله الجنون كانا صديقين لا يفترقان.. لكن ثَمَة خلاف وقع بينهُا تشاجرا على إثره فدارت معركة خرج منها إله الحب فاقداً بصره على يد صديقه الحميم.
اجتمعت كل الآله لفض الإشتباك وتحقيق العدل ومحاسبة المعتدي.. وخلُص الأمر لتجريم إله الجنون ومعاقبته بأن يقود إله الحب (الأعمى) مدى الحياة.
الأصوات تَشَتبك مرة أخرى.. وكذلك الأسئلة في مُخيلتي.. وهي تضغط على كفي بقوة وتسحبه خلفها كأنما تخشى أن يتلاشى.. ثم يزداد الضغط.. وتتباعد المسافة بيننا بطول الأيدي الممتدة.
يقفز سؤال من بين الأسئلة المتشابكة.. من تكون تلك المخلُوقة التي تَسحَبُني للمجهول.. يتضخم الإحساس المُختلط بحالة الـ(شيزوفرينا).. وبلا مُقدمات أروح أبحث عن غرفتي.. وعن صافرات الإنذار وأصوات لعب الأطفال.. واتسألُ عن هذه الفتاة التي آراها لأول مرة فى حياتي كمئات الفتيات.. عفواً فأنتي دخيلة على عالمي.. انا لستُ بذلك الحب الأعمى الذى يقوده الجنون.. أنا(حر) أستطيع أقرر متى أحتفل.. وأين أريد الذهاب..
(وكان ذلك هو اليوم الأخير في تلك السنة التي صَنَعتها هي)..

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق