الأحد، 20 يناير 2013

أسئلة مفخخة .. «فى عشق السمراء»

عبدالهادي الحاج

السادسة والربع صباحاً.. أشعة الشمس تتسلل من نافذة الطائرة وبقايا دفء يهرب من جوف العظم.
خطوات تفصلني عن اُناس جُدد وأوجه مكدسة في ذاكرة مهترئة.
بضعة أوراق في المعطف لابد من تقديمها قرباناً لمعانقة الأرض الجديدة.
خطوات أخرى فتحت الطريق لما تبقى من أشعة الشمس.
مابين نافذة الطائرة ونافذة ذلك المبنى الفخيم عتمة تختلط بداخلها الدماء وتتمازج فيها الألوان وتحتضر اللغات بحيث لا تبقى إلا واحدة من بين الآلاف.
الدرج المتحرك نحو الأسفل ياخذني لمعانقة لوناً واحداً من ألوان البشر.. غابت تلك التفاصيل المتعددة في الأعلى.. وتلاشت بقايا ذلك الدفء المندس في العظم.. وصوت المغني يأتي من مكان بعيد.. ( الأماني الفي السفر قبل الزمن كايسه الموانئ) ثم يرحل صوت المغني بلاعودة.. ويرتفع صوت محرك العربة وهي تشق طريقها نحو مكان ما..
الشوارع تبدو مألوفة وكذلك الأشجار والمباني والقاطرات والكباري.. وشيئاً فشيئاً صارت اللغة مألوفة.. في دروس قديمة قالوا لنا أن الوطن هو مسقط رأس الآباء والأجداد!! .. ولكن لم يقولوا لنا أين كان يعيش أبونا آدم !! .. فقط قالوا أنه طُُرد من الجنة.
هل كانت الجنة التي خُلق فيها آدم هي وطنه ؟؟ وهل كان يرى أن الأرض بمثابة منفى؟؟ فقط ما نعرفه أنه لم يكن هناك من سبقه للأرض.
توقف سيل الأسئلة مع توقف محرك العربة.. الصورة المعلقة على أحد حوائط البهو الواسع لذلك الرجل صاحب الإبتسامة المميزة والأرفف التي تعج بالعديد من المشغولات اليدوية.
الموسيقى الهادئة المنسابة من مكان ما.. الفتاة الجميلة ذات الملامح الطفولية بزيها الأنيق.
تأملت كل تلك الأشياء أمامي.. وتسألت لماذا وضعت بذلك الترتيب الدقيق؟؟ هل تريد أن تقول بأن لهذه الأرض هوية ما؟؟.. إن كانت الهوية بذلك المنطق الذى دفعنا من اجله عمراً بأكمله.
آه من ذلك المصطلح الخبيث.. تساءلت حينها إن كان بإمكان الإنسان أن يحيا بلاهوية !! نعم.. ما حاجتنا للهوية حينما نجد الماء والهواء والغذاء.. وما الذي يمكن أن تضيفه لنا الهوية لنشعل من أجلها الحروب.
فيي المصعد الكهربائي ألقيت بتلك الأسئلة الحائرة جانبا ودفعته نحو الأعلى.. تمنيت أن لا يتوقف المصعد.. أن يأخذني بعيداً.. بعيداً عن ذلك البهو.
ورغماً عن أنف كل الأسئلة الحائرة صارت تلك المدينة لي أرضاً كتلك التى نُفي إليها آدم.
لم أكترث لفخ الهوية ولم أبحث عن معنى الوطن.. يكفى أن كل الأزقة يكسوها اللون الأسمر.. ليعود ذلك الدفء الذي تسرب عند باب الطائرة.. لم يغادرني إلا عند الساعة الثامنة من ذات مساء وعلى نفس الطائرة حينما تهادى الصوت النسائي الآتى من الأمام أن اربطوا الأحزمة إستعداداً للهبوط.
عادت لذاكرتي صورة آدم وهو يهبط في الأرض.. وصوت المغني يأتي أيضاً من مكان بعيد وهو يردد (رحلت وجيت في بعدك لقيت كل الأرض منفى)..

إلى السمراء أقول..

سوف لن أكترث لهذه الأسئلة المفخخة.. لا إلى الوطن ولا إلى الهوية.. فقد كان من السهل على آدم وحواء أن يتركا الجنة.. لكن لم يكن بإمكانهما إلا أن يعيشا معاً..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق