عبدالهادى الحاج
إن الوسيلة الوحيدة الفعالة لقطع دابر الإستبداد هى ترقى الأمة فى الإدراك والإحساس، وهذا لايتأتى إلا بالتعليم والتحميس، ثم إن إقتناع الفكر العام وإذعانه إلى غير مألوفه لايتأتى إلا فى زمن طويل، لان العوام مهما ترقوا فى الإدراك لايسمحون بإستبدال القشعريرة بالعافية إلا بعد التروى المديد، وربما كانو معذورين فى عدم الوثوق والمسارعة لأنهم ألفوا أن لايتوقعوا من الرؤساء والدعاة إلا الغش والخداع غالباً.
عبدالرحمن الكواكبى- طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد...
قبل قرن ويزيد من الزمان إستطاع عبدالرحمن الكواكبى أن يكشف عن جزء من مكنونات العقل الجمعى للشعوب التى تجد نفسها تنئن تحت وطأة الإستبداد السياسى وجبروت الطغاة، من حيث إستكانتها ورضوخها وتسليمها بالأمر الواقع دون التفكير فى سبل الخروج من جحيم التسلط والقهر، خوفاً من المجهول وتوجسها منه أو كما قال الكواكبى عدم السماح بإستبدال القشعريرة بالعافية، ولكن فى ذات السياق حدد شروطاً لقطع دابر الإستبداد إرتبطت بالترقى فى الإحساس والإدراك والتعليم والتحميس وإقتناع الفكر العام.
الآن وبعد مرور شهر على إشتعال ثورتنا الشعبية فى السودان ضد نظام مستبد جثم على صدر الأمة السودانية 24 عاماً، لاننكر أننا خسرنا الكثير من الوقت لإجل إقناع الفكر العام بأن العافية سوف تأتى بالفعل حين الشفاء من داء النظام المستبد، فجدلية البديل التى حاولت التسويق لها ترسانة الأمن الإستبدادى عبر أبواق النفاق والضلال من أزلام الطغاة، أثبتت عدم مقدرتها على مقارعة الحجة بالحجة، والمنطق بالمنطق، فتهاوت أسطورة السلطة المودعة لعيىسى بن مريم تحت زئير الجماهير الغاضبة على كل ماهو ذى صلة بالنظام المستبد فى السودان.
إن البديل المطروح اليوم يعد بتمام العافية للجسد السودانى المنهك بالفساد والإستبداد والحروب والقتل ، عبر آلية دولة المؤسسات كبديل لدولة الإستبداد ودولة الحقوق المدنية كبديل لدولة الطغيان، وليس المقصود بالبديل تلك الوثيقة المعروفة بوثيقة البديل الديمقراطى، إنما البديل سوف يتقدم عبر أولئك الشباب الذى حملوا على عاتقهم هم الوطن المثقل بالجراح، أولئك الشباب الذين يحشرون الآن داخل زنازين نظام الإستبداد حشراً بعد أن جعلو الطاغية يشعر بأن قصوره قد ضاقت عليه بمارحبت، وان صوت الحرية الذى يصدحون به بأت يؤرق مضجعه صبح مساء.
سوف تدك حصون الطائفية البغيضة وسوف تضمحل تجارة الدين إلى غير رجعة، وسوف تجتث شجرة الإنقاذ الخبيثة من جذورها، وهذا ليس من باب التمنى أو الرجاء إنما من موشرات سير الأحداث على الساحة ، ومن قراءة تاريخ الشعوب، وليس مايهمنا اليوم أننا نسير ببطء، بل ما يهمنا أن نواصل السير فى الطريق الصحيح، فقد إنكسر حاجز الرهبة والخوف من بطش النظام المستبد وعلم الجميع أن الحقوق لاتستجدى بل تنتزع، وتلك هى المرحلة الأصعب لتفكيك حلقات النظام المستبد المحروسة بقبضة الأمن، والتى يتم تغذيتها من خلال تغبيش الوعى وبث الأراجيف.
إن المرحلة الحالية للتنظيم والتخطيط والعمل على إرهاق الطاغية حتى يسقط جثة هامدة، لقد إنطلقت الشرارة عفوية أو كرد فعل لسياسات غبية أكدت أن المشكلة الأساسية ليست فى السياسات بل فى النظام ذاته، وأشتعلت الشرارة حتى صارت الثورة شعلة تستلمها كل يوم فئة من فئات الشعب المكتوية بظلم النظام، بل وأضحت الثورة فعلاً يومياً وجزءاً من حراكنا الحياتى، وكما قيل فإن دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق