الأحد، 18 نوفمبر 2012

نظام الإنقاذ.. جنازة فى إنتظار التشييع

عبدالهادى الحاج


أن الشعوب هي التي تترك القيود تكبلها، بل أنها تكبل نفسها بنفسها ما دام خلاصها مرهوناً بالكف عن خدمة سيدها، طاغية كان أو دولة أو نظام. وأن الإستبداد متى دخل وخضع له جيل من الأجيال، استسلمت له الأجيال التالية إستسلامها لوضع طبيعي يصبح عندها عادة لا ترى فيه غرابه ما دامت قد ولدت في ظله ولم تخبر وضعاً غيره.

اتين لابويسيه قاض ومفكر فرنسي


أن أى تحليل للمشهد السياسى السوداني الراهن لابد أن ينطلق من قراءة لواقع طرفى المعادلة التى يمثل النظام الحاكم أحد طرفيها وبالمقابل يمثل الشعب السوداني بمختلف أطيافه السياسية والإجتماعية الطرف الآخر، وتأتى النتائج المحتملة للمعادلة وفقاً لما تحدده تفاعلات الطرفين سلباً وإيجاباً نحو السير فى الإتجاه الصحيح، وبالعودة لقراءة موقف النظام نجد أن ملمحه العام يتحدد طبقاً لعدد من الظروف الموضوعية التى ساهمت فى إيجاده وتلك التى ضمنت له عوامل الإستمرار خلال سنوات عمره التى تجاوزت الأربع وعشرون، شهد خلالها مراحل مختلفة بدأت بولادة قيصرية أتت به لمفاصل السلطة، ومن ثم مرحلة قوة وتمكين، قدرت له بسط جبروته، ومن ثم ضعفت بنيته بفعل الإنشطار الثنائى الذى أصابها، ليدخل فى مرحلة أخرى من التمكين الهادئ على عكس الأول الذى صاحبه الكثير من التشنج والسلوك الهستيرى، وقد هيّأ ذلك الجو من الراحة والسكينة عبر زواج متعة جمعه تحت سقف واحد مع اعداء الأمس، وما أن إنقضى ميقات تلك الزيجة حتى عاد لمرحلة ضعفه مرة أخرى، وفى هذه المرة كان الضعف بائناً بسبب مؤخر الصداق الباهظ، وبسبب عوامل الإنشطار الداخلى الذى أتى هذه الدورة أميبياً خالصاً. قصدت عبر هذه المقدمة أن أمهد لقراءة الوضع الراهن لنظام الإنقاذ فى سياق ظرف الشتات الذى يعيشه والأمواج المتلاطمة التى تمور داخل جسمه، والمتابع للشأن الداخلى للنظام يكاد لايجد مرحلة من عمره يبدو فيها ضعفه ووهنه جلياً أكثر من المرحلة المعاصرة، بحيث لايحتاج البرهان على ذلك إلى كبير عناء، فهاهى الأجنحة المتصارعة تتجلى حربها للعيان عبر مؤسساته السياسية والأمنية، ويكفى أن تقصف الطائرات الإسرائيلية مصنعاً للأسلحة فى قلب الخرطوم لتصبح تلك الحادثة ذلة يلوح بها قادته فى وجه بعضهم البعض، ويكفى أن يمرض رئيسه ليصبح مرضه ورقة يستخدمها أحد تلك الأجنحة لتامين وجوده وإقصاء الآخرين، ويكفى أن تنطلق من أقصى المدينة شائعة عن إنقلاب عسكرى حتى تُنشر قوائم المتورطين فى العملية وتمتلئ غياهب السجون بمن كان بالأمس يصدر الأوامر والفرمانات، بل ويصل الأمر حد الإتيان بمريض نفساني ليرأس المؤتمر العام للحركة الإسلامية التى نُبشت من قبرها وجئ بجثمانها كشاهد على الإصطراع، فهذا هو حال النظام ولاعزاء لدولة المشروع الحضارى التى أنهكتها عوامل الحروب والمجاعة والنزوح وفقدان الحياة الكريمة. ربما لايجدى الخوض فى تفاصيل تلك الصراعات التى يعملها كل من يتابع الشأن العام دون قرب منه، ومن تقع عينه كل صباح على عناوين الصحف السيارة أو صفحات المواقع الأسفيرية، وعرض سيناريوهات الصراع فى هذه المقالة ياتى من باب لزوم مالايلزم، وخلاصة المقصد هو أن النظام بات جسم متصارع تتهاوى أعمدته، وتتقاتل أجنحته، ضعيف سياسياً وأمنياً وبالطبع أيدلوجياً، نظام منهك إقتصادياً بفعل شح موارد الدخل العام وعوامل الفساد الداخلى والصرف على أجهزته المترهلة، نظام يفتقد لتناغم مؤسساته السياسية التى باتت تعمل وتقرر وتصرّح كجزر معزولة عن بعضها البعض تماماً، أو بالأحرى نظام أصابه الموت فقط ينتظر إعلان وفاته رسمياً وتشييعه. أما الطرف الآخر فى المعادلة وهو جموع الشعب السودان، فلمن اراد أن يتلمس مدى تطلعه للتغير لابد أن يستصحب نقطتان مهمتان تسيطران على وعيه الجمعى وتشكل كل منهما محوراً لعدد من التساؤلات، النقطة الأولى تتمثل فى سمة المقاومه السيكلوجية لأى رغبة فى تغيير الوضع الراهن وصناعة وضع جديد غير مأمون العواقب، أو(إستبدال القشعريرة بالعافية)، كما عرفها عبد الرحمن الكواكبى فى سفره طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد، وتلك الرغبة تنبع من طبيعة الشخصية السودانية الرافضة للتغيير، إلا ذلك الذى يأتى بالقوة مثل الإنقلابات العسكرية، أو بمحض عوامل آنية تنتقل خطواتها بصورة متلاحقة وتأتى فصولها بصورة متسارعة، لاتترك مساحة لإعمال التفكير وتأمل المشهد مع وجود أسباب تبرر ذلك التغيير عقب حدوثه وبعد أن يصبح واقعاً، وفى إعتقادى أن ذلك ماحدث خلال ثورتى أكتوبر وأبريل حيث جاء التغيير سريعاً وحاسماً على الرغم من أن المناخ العام الداعى لضرورة التغيير كان يبدو أقل حدة مما نعايشه اليوم، والشارع يعلم تماماً بأن النظام اليوم أصبح جثة هامدة أشبه بجثة النبى سليمان حينما قبض ملك الموت روحه وهو متكئ على عصاته، لكن هيبته وقوته وجبروته وهو حى حالت دون أن يدرك خدامه من الجن حقيقة موته إلا بعد زمن طويل من حدوثه وبعد أن دلتهم على ذلك دابة الأرض التى إلتهمت عصاته فسقطت الجثة وكُشف الأمر وتوقف الجن عن الطاعة. أما النقطة الثانية فهى تعتبر إمتداد للأولى أوتفسير لها، وهى ماهية البديل القادم عبر هذا التغيير، وذلك سؤال مشروع طرحه الشارع العام قبل أن تستثمره مؤسسات النظام الأمنية وتعمل على الترويج له من باب تثبيط الهمم نحو صناعة التغيير، والتخويف من القادم المجهول والتذكير بالتغييرات المماثلة التى مر بها السودان والتى أنتجت بديلاً دون طموحات الشارع العريضة، وبذلك يصبح السؤال عن البديل بمثابة دعوة مبطنة لعدم الإندفاع نحو تغيير الوضع الراهن وقبوله بسؤاته. وهنالك فئة من الشعب السوداني رأت أن صناعة تغيير على النمط الكلاسيكى غير وارد، وبالتالى فلابد من إنتهاج نمط آخر رغم كلفته الباهظة، لكن على الأقل يبدو منطقياً من وجهة نظرها وقد تم تجريبه، وإن كانت نسبة نجاحه فى صناعة تغيير شامل ضئيلة، إلا أنه على الأقل يضمن صناعة تغيير جزئى، يتمثل فى دفع النظام لإقتسام كعكة السلطة عبر فوهة البندقية وذلك أضعف الإيمان طالما ليس بالإمكان إجباره لأن يتخلى عنها كليةً. وصورة الشارع السودانى فى مجملها أصبحت تتسم بالحيرة والإندفاع، الحيرة من عدم وجود إجوبة شافية لمجموع الأسئلة التى تدور فى الأذهان حول متطلبات ونتائج وإنعكاسات التغيير المجهول، والإندفاع نحو صناعة التغيير بالوسائل العنيفة وإحكام منطق القوة نحو صناعة التغيير المطلوب، والتعاطى إيجاباً مع هذين النقطتين يمثل المفتاح السحرى لأبواب التغيير الذى يلبى متطلبات كافة فئات الشعب السودانى. وهنالك قوة أخرى لايمكن إغفالها فى هذه المعادلة وقد تعمدت وضعها فى الهامش لسبب غياب رغبة التغيير الحقيقى داخلها وإن كانت ترغب فى تغيير من نوع آخر يضمن لها الحفاظ على مكتسباتها الموروثة، ولايهم إن أتت تلك المكتسبات عبر بوابة النظام أو بوابة الشارع المتطلع للتغيير، لذلك لاترى لها موقفاً بيناً ولا راياً ثابتاً بل تجدها على الدوام تبحث عن مؤطى قدم فى أرض الذى يمتلك القوة، فإن كانت الغلبة للنظام فهى فى القصر وإن كانت الغلبة للشعب فى الشارع، تلك القوة التى يعبر عنها قادة الأحزاب التقليدية الذين يقودن خلفهم قطاع كبير من المُغفلين والمُستغفلين من جموع الشعب السوداني، وعلى الرغم من موقفها الإنتهازى والسلبى نحو تطلعات الشارع نحو التغيير، إلا أنها حتماً سوف تجد نفسها مرغمة على السير فى الإتجاه الصحيح، حفاظاً على مكتسباتها خلال الفترة التى تعقب تشييع النظام، لذا تصبح هذه القوة فى موقف الحياد السلبى حتى يقول الشارع كلمته، وحينها سوف تعمل على ترجيح كفته عندما ترى أن مصالحها باتت فى اللحاق بقطار التغيير. تلك هى المعادلة إذن، نظام ميت متهالك يتكئ على عصاة هيبته المصطنعة والبالية، وشارع تتملكه الحيرة فيما يمكن أن يصنعه وتتعاظم بداخله هذه الحيرة لتدفعه للخضوع للنظام الميت بحكم الأمر الواقع، أما من رفض الخضوع فقد سلك طريق التغيير العنيف عبر الآلة العسكرية، وفى المنتصف قوة إنتهازية تراقب المشهد وتقرأ ثيرمومتر الأحداث لتقفز فى المكان الذى يضمن لها مكاسبها فى السيطرة ومواصلة الإستغفال، والسبب فى وجود هذه الحالة النشاذ هو غياب الرؤى السديدة والبرامج الواضحة القادرة على إقناع الشارع برفض الإستمرار فى الخضوع لنظام شبع موتاً والتعبير عن موقفه عبر الطرق السلمية، ومواجهة النظام بحقيقة موته، ولابد أن يلتف الجميع حول تلك الرؤى وذلك يقتضى التعاطى معها بمنهجية وطنية رحبة لاحزبية ضيقة، وفى ذات الوقت إقناع القوى المندفعة نحو حمل السلاح بضرورة تغيير منهجيتها والعمل سوياً مع القوى المؤمنة بالتغيير السلمى من الداخل حتى يتمكنا بيد واحدة من إزاحة جثة هذا النظام من كرسى السلطة، ويجب أن تحمل تلك الرؤى الضمانات الكافية لقوى التغيير العنيف بأن الوضع القادم سوف يحفظ لها مكتسباتها التى دفعت من أجلها دماء غالية فى سبيل صناعة واقع يتسع لتطلعاتها فى وطن قادر على إستيعاب الجميع، ودون صياغة تلك الرؤى بلاشك سوف تظل جثة نظام الإنقاذ تحكم الشعب السوداني إلى أن ينجلى الأمر الذى فيه تختلفون.

الأحد، 23 سبتمبر 2012

حينما تآمرت المعارضة مع الإنقاذ لبيع مثلث حلايب !!


عبدالهادي الحاج



التقى الرئيس المصري محمد مرسى بالرئيس السوداني عمر البشير فى أول زيارة للبشير لمصر عقب إنتخاب مرسي، وقد ناقش الرئيسان كل شئ يخص العلاقة بين مصر والسودان عدا القضية المحورية فى ما يتصل بتلك العلاقة وهى قضية مثلث حلايب السوداني أرضاً وسكاناً الواقع تحت الإحتلال المصري الكامل منذ العام 1995م، حيث صارت قضية حلايب التي عمدت إلى تجاهلها حكومة الإنقاذ خلال عهد نظام مبارك، مقابل صمت النظام المصري السابق عن حادثة إغتيال مبارك بأديس ابابا 1995، والتي تورط فيها قادة نظام الإنقاذ حتى أذنيهم، صارت هى الإسفين الحقيقي بين الدولتين السودانية والمصرية طوال الـ 17 عاماً الماضية، وقد عرف النظام المصري السابق كيف يستغل هفوات قادة الإنقاذ ومغامراتهم الصبيانية فى إقتطاع جزء عزيز من أرض السودان، كما عرف كيف يستغل ضعف المعارضة السودانية التى كانت ولازالت تتواجد فى القاهرة، ويعمل على تحييد مواقفها تجاه هذه القضية التى لاتحتمل المواقف الرمادية، فصار قادة الإنقاذ يخشون الملاحقة الدولية جراء مشاركتهم فى محاولة الإغتيال الفاشلة، وصار قادة المعارضة يخشون طردهم من نعيم القاهرة إن عبروا عن مواقفهم الوطنية الأصيلة، وطمست قضية حلايب إلا من تصريحات عابرة هنا وهناك تقول على إستحياء بأن حلايب سودانية، وبذلك الموقف فإن المعارضة تصبح شريكاً لحكومة الإنقاذ فى التآمر على بيع قضية حلايب. وظل بصيص الضوء الذى يأتى من نهاية النفق يشع من ألإيمان القوى والصبر اللأمحدود على السجون والتعذيب والمواقف الوطنية البطولية التى يجسدها سكان المثلث فى سبيل التمسك بهويتهم السودانية ونضالهم من أجل عودة الأرض المغتصبة لحضن الوطن. إن تواطؤ نظام الإنقاذ مع النظامين المصريين السابق والحالى يبدو مبرراً بالنظر لتركيبة الإنقاذ الطفيلية والإنتهازية، والتى لاترى فى السيادة السودانية أكثر من دُمية إسمها البشير، ويبدو مبرراً لنظام ذبح الذبائح ورقص طرباً حين إنفصل ثلث الوطن، ويبدو مبرراً لنظام يستخدم سياسة الأرض المحروقة فى مواجهة مواطنيه العزل، ولكن ليس للمعارضة السودانية أى تبرير لإتخاذ المواقف الرمادية حيال إحدى القضاياً التى تمثل إنتهاك السيادة الحقيقية للأرض وإحتلالها (على عينك يا تاجر)، ليس المطلوب من المعارضة أن تحمل السلاح وتقاتل المصريين فى حلايب قبل أن تحمل السلاح، وتقاتل مليشيات البشير، وليس مطلوباً منهاً تجلس لتتفاوض مع المصريين حول حلايب قبل أن تجلس وتتفاوض مع نفسها حول آليات إسقاط نظام الإنقاذ، ولكن المطلوب مواقف وطنية حقيقية يتم التعبير عنها بالوسائل السلمية من إعتصامات ووقفات إحتجاجية وتحمل تبعات هذه المواقف والعنف الذى قد تنتهجه الأجهزة الأمنية ضد مثل هذه الوقفات، والذى سوف يفضحها أكثر أمام ماتبقى من الشعب السوداني الذى لايزال يتعاطف مع البشير فى قضية الجنائية، ويكشف عن إدعاءتها الباطلة بالحفاظ على سيادة البلاد. كما يجب على الأحزاب السياسية (الوطنية) أن تعبر عن مواقفها بشكل واضح مع كل لقاء وكل حدث مصري سوداني وكل زيارة للرئيس المصري للسودان وأيضاً زيارات الرئيس السوداني لمصر، تؤكد فيه على سودانية المثلث وتدعو لجلاء القوات المصرية عنه، وأن تشمل تلك الإحتجاجات القاهرة نفسها حتى تكون إختبار حقيقي للوضع الديمقراطي الجديد فى مصر، فأى سوداني غيور ينبغي أن لايشرفه البقاء فى ظل نظام يسمح له بالمطالبة برحيل البشير ولايسمح له بالتعبير عن سودانية أرضه، فالديمقراطية الحقيقية فى الغرب تسمح (لأبى قتادة) الإسلامي المتشدد بالعيش فى بريطانيا والدعوة لهلاكها من مساجد لندن. إن نظام الإنقاذ راحل لامحال اليوم أو غداً وذلك ماتذهب إليه وقائع الأحداث، وإن لم يعى النظام المصري أبعاد هذه القضية على مستقبل العلاقات مع السودان سوف يكون الأمر وخيم العواقب فى المستقبل القريب، فإن كان نظام الإنقاذ نتيجة للأسباب الوارده أعلى المقال يغض الطرف عن هذه القضية التى بات يستخدمها للمناورة السياسية فقط مع النظام المصري الجديد، فإن الواقع الذى ستشهده الدولة السودانية عقب الإنقاذ سوف يجعلنا فى مواجهة حقيقية مع الدولة المصرية، مواجهة تنسف كل الحديث المعسول عن العلاقات الأزلية بين الشعبين والتاريخ المشترك وغيرها من العبارات الممجوجة. إن الملفات التى تتصدر العلاقات المصرية السودانية كثيرة وشائكة ومعقدة، أهمها حلايب ومياه النيل، وبدائل الأمن الغذائي المصري، وغيرها من الملفات الإقتصادية والسياسية الأخري، وجميعها لايمكن القفز إليها دون الوصول إلى تفاهم بين البلدين فى ملف حلايب الذى سوف يكون أمام السودان عقب زوال نظام الإنقاذ أحد خيارين للتعامل معه إما إسترداد المثلث بالقوة العسكرية وهذا الأمر سوف يأخذ بعض الوقت لأن القوات المسلحة السودانية تحتاج لبناء نفسها حتى تتحول من جيش حزبي إلى جيش وطني قادر على الدفاع عن أراضيه، والإكتفاء فقط بقطع العلاقة مع مصر وإعلان الحرب كموقف سياسي. أو إنسحاب مصر المشروط من حلايب مقابل تقديم السودان تنازلات كبرى على مستوي الملفات الأخري، مياه النيل ومستقبل الأمن الغذائي المصري، ويأتى إستبعاد خيار منطقة التكامل الذي ظلت تردده حكومة الإنقاذ كلما جاء ذكر حلايب والذي أيضاً ظل يواجه بصمت من الجانب المصري مفاده أن عليها (الرضي بالمقسوم).

الخميس، 30 أغسطس 2012

البشير .. الرئيس الذى يكذب ويتحرى الكذب !!


عبدالهادى الحاج


(يا أخوانا حصل يوم كضبت عليكم ؟؟ عشرين سنة حصل يوم قلت ليكم كلام كضب ؟؟)
التساؤلات أعلاه هى جزء من خطاب للرئيس عمر البشير أمام حشد من مؤيديه، وهذا الجزء من الخطاب تم تحويله إلى مقاطع صوتية يتم تبادلها عبر الهواتف المحمولة على نطاق واسع جداً، بل وصل الأمر إلى أن الكثيرين جعلوها نغمة للرنين.
لايختلف إثنان فى أن الكذب يعد أكثر السلوكيات التى تذمها النفس البشرية السوية، والشخص الذى يتصف بهذا السلوك يصبح منبوذاً على مستوى المجتمع بل ولا يمنحه الآخرين ثقتهم فى أى من شئوونهم العامة والخاصة، فإذا كان ذلك هو حال الفرد العادى فى المجتمع ترى كيف لنا أن نتخيل بأن شخصاً يمثل الكذب بالنسبة له الأكسجين الذى يتنفسه، والدم الذى يجرى فى شرايينه، واللباس الذى يستر عورته، كما هو حال الرئيس عمر البشير الذى هو نفسه يدرك هذه الحقيقة، وما ذلك التسجيل الصوتى الذى يسأل فيه بغباء وهو يخاطب مؤيده بأنه إن كان يوماً قد كذب عليهم خلال عشرين عاماً عرفوه خلالها، وهم ينفون عن صفة الكذب مجاراة له فى ذلك الغباء. ما ذلك إلا أكبر دليل على أنه لم يقل يوماً إلا الكذب منذ أن أطل على الشعب السودانى صبيحة الثلاثون من يونيو المشؤوم مدعياً أن الإنقلاب العسكرى الذى ظهر للعلن وهو قائده إنما هو قوامه أبناء القوات المسلحة الحادبين على مصلحة الوطن، وتلك كانت هى الكذبة الأولى التى إفتتح بها عهد الفساد والإستبداد الممنهج فى السودان، وعلى الرغم من أن تلك الكذبة لم نتطلى على الكثير من أبناء الشعب السودان الذين كانوا على يقين بأن ذلك الإنقلاب تقف من وراءه الجبهة القومية الإسلامية، إلا أن تلك الكذبة لم يتم الكشف عنها علناً إلا بعد إنشقاق صفة الإسلاميين ليفصح د.حسن الترابى عراب الإسلاميين عن ما أتفق عليه مع البشير حينما قررا وأد النظام الديمقراطى، بأن قال له مقولته الشهيرة ( إذهب إلى القصر رئيساً وسوف أذهب إلى السجن حبيساً) وتلك كانت هى الكذبة التى بدأ بها البشير عهده، وتلك الحادثة لاتكشف عن وصم شخصية البشير بالكذب فقط بل توصمه أيضاً بضعف الشخصية حيث إرتضى لنفسه أن يصبح حصان طراودة (للجبهجية) الذين لم يكن فى يوماً ما عضواً أصيلاً فى تنظيمهم، بل كانوا يعدونه أداة لإيصالهم إلى السلطة عبر بوابة القوات المسلحة بعد أن فشلوا فى نيل الأغلبية عبر صناديق الإقتراع، كما تكشف تلك الحادثة أيضاً عن خيانة البشير لقسم القوات المسلحة فى أن يظل إخلاصه وولائه للسودان ككل وليس لمجموعة حزبية بعينها مهما كانت تلك المجموعة فهى لاتمثل أهل السودان، والأدهى والأمر فى ذلك أن البشير لم ينكر حديث الترابى ليس من باب نفى صفة الكذب عنه بل من باب الإحتفاظ ببعض الهيبة لشخصه، كما لم يكفى بالصمت بل ذهب ليؤكد حادثة (إذهب إلى القصر رئيساً) بتصريحه الشهير عشية ليلة المفاصلة بأن (الرئيسين بغرقوا المركب) وفى ذلك إعتراف ضمنى منه بأنه قد مارس الكذب والتضليل على الشعب السودانى طيلة عشر سنوات لم يكن خلالها هو الرئيس الفعلى للبلاد، ليأتى بعد ذلك بعشر سنوات أخر ويسأل تلك الجموع إن كان يوماً قد كذب عليهم.
وإذا ما اخذنا صفتا الخيانة وضعف الشخصية نجد أنهما بطبيعة النفس البشرية تنتج عنهما شخصية تكون أميل إلى الكذب والتملق وابعد عن الصدق والأمانة، حيث يذهب علماء النفس إلى أن صفتا الكذب والخيانة متلازمتان من حيث مخالفتهما للفطرة الإنسانية السوية ومن حيث النتائج المترتبة عليهما، على الرغم من أن الكذب نتائجه اشمل واعم، والإنسان الذى يكذب لابد أن يخون بطبيعة الحال.
وخلال سنوات الإنقاذ الأولى إرتضى البشير وبطبيعة شخصيته الضعيفة أن يظل ديكوراً فى سلطة (الجبهجية) على الرغم من أنه نظرياً كان يجلس على هرم السلطة، لكن الظرف الذى أتى به لذلك المنصب لم يكن يسمح له بأن يعين أمين لجنة شعبية فى أحد أحياء العاصمة، إلا إن تكن تلك رغبة القادة الحقيقين من الإسلامويين.
ولعل البشير حينما كان يسأل تلك الجموع الملتفة حوله عن حقيقة كذبه كانت تتداعى إليه مئات المقولات والشعارات الجوفاء التى كان يرددها فى مستهل عهده، عن أن السودانيون سوف يأكلون مما يزرعون ويلبسون مما يصنعون، وعن محاربة الطغاة الأمريكان، ودنو عذابهم هم ورصفائهم الروس، وذلك السيل من الأكاذيب الجوفاء التى لم ير الشعب السودان خمس أخماسها، جميعها قد تذكرها البشير وهو على منصة الخطابة لذلك ودونما مقدمات وجد نفسه يطرح ذلك السؤال الذى لايسأله إلا من كان مزعزعاً فى نفسه، إن الشخص الكذاب دائماً يكثر من الحلف بإلله وبغير الله والتأكيد على أنه لايقول إلا الحق وتكرار الكلام والتقليل من شأن الآخرين وكل تلك الصفات قد وردت فى خطب وأحاديث البشير.
أما فى شأن الحلف بالله وبالطلاق ثلاثاً ربما لم ينسى اهل السودان قاطبة ذلك الخطاب الشهير للبشير الذى أقسم فيه بالطلاق بأن القوات الاممية لن تطأة أرض دارفور، بل ولم يكتفى بذلك حيث أكد فى لقاء له مع أعضاء حزبه المؤتمر الوطني أن القوات الاممية إن دخلت دار فور سوف يقود المقاومة بنفسه وزاد عليه بأنه سوف يتنحى عن منصبه، وبالطبع كل تلك (الحلائف) ذهبت أدراج الريح بصدور القرار 1769 من مجلس الأمن الدولى فى العام 2007م، وأنتشرت القوات الأممية فى دارفور بالآلآف ، ولم يقود البشير المقاومة ولم يتنحى عن منصبه ولاهم يحزنون، بل لم تبدو على وجهه قطرة من حياء.
ونحن نستعرض فى أكاذيب الرئيس البشير خلال سنواته العجاف فى حكم السودان لابد من الإشارة إلى ان الشخص الكذاب يحتاج لبعض القدرات منها الذهنية والنفسية والإنفعالية، على سبيل المثال يجب عليه ان يعرف كيف يتحكم فى مشاعره وتعابير وجهه وتصرفاته وتكييفها على حسب الوضع المطلوب، وهذه القدرات تتطلب إستعداد الشخص أخلاقياً وتربوياً للكذب،
مع الوضع فى الإعتبار أن أصحاب الشخصيات الضعيفة والقدرات المحدودة مثل البشير تكون دوافعهم أكبر للكذب على عكس أصحاب الشخصيات القوية والذين تكون دوافعهم أقل .
عند إندلاع ما بات يعرف بالربيع العربى فى كل من تونس ومصر، دب الخوف فى نفس البشير، وبات على يقين بأن تلك الإحتجاجات التى تجرى فى محيطه الأقليمى قد بأتت قاب قوسين أو أدنى من السودان، فأخذ يتحدث بأن الربيع العربى قد أتى للسودان حينما جاء بحكومة الإنقاذ، وأن الشعب السودانى شعب واع ولايمكن له أن يثور ضد حكمه لانه وفر لهم الأمن والأستقرار والرخاء، وأستقل البشير لقاءاً جماهيرياً بمدينة الدامر بولاية نهر النيل فى يناير 2011م ليؤكد بأعلى صوته أنه لايخشى ثورة السودانيين عليه، وحال حدوثها فإنه سوف يخرج اليهم فى الشارع كى يرجموه، وكما أى شخص يكذب ويحاول إقناع سامعيه بأنه صادقاً فى حديثه، أقسم البشير فى ذلك اللقاء الجماهيرى بأنه سوف يتنازل عن السلطة حال علمه بأن الشعب لايريده.
و لم يكن يريد البشير فى ذلك اللقاء أكثر من كذبة يطلقها فى الهواء ويستدر بها عاطفة الجموع التى وقفت تستمع له، وذلك ما أكدته مجريات الأحداث حينما إندلعت الإحتجاجات الأخيرة وظهرت بوادر ثورة داخل السودان، نسى البشير ذلك القسم المغلظ بتركه للسلطة وراح يصف تلك الجماهير التى خرجت للشوارع بأقبح الصفات تارة يصفهم بشذاذ الآفاق وأخرى بالشماسة ثم يتوعدهم بالسحق عبر مجاهديه الخُلص.
إن صفة الكذب دائماً ما تتسق معها مجموعة السلوكيات السيئة مثل التكبر والغرور والمغالاة فى الخصومة ووصف الآخريين بأقبح الصفات وإتهامهم بما ليس فيهم من باب الكذب، وبإسقاط هذه الحالات على خطابات البشير نجد أن الروح التى تحدث بها عقب حادثة هجليج تحمل هذه الصفات الواردة أعلاه، حيث أفاض فى سب أبناء جنوب السودان ووصفهم بأنهم (حشرات)، وأن من يريد أن يتحدث معهم لابد وأن يحمل عصاة، فى إشارة ضمنية لوصفهم بأنهم (عبيد)، وقال أن الوضع لايحتمل بعد اليوم إلا أن تحتل الحركة الشعبية الخرطوم أو هم يحتلون جوبا، وقطع بأن لاعودة للتفاوض مع هؤلا الحشرات مطلقاً، وارغى وأزبد فى ذلك الخطاب الشهير كما لم يفعل من قبل، ولم تمضى أكثر من بضعة أشهر حتى نقلت عدسات العالم قاطبة صورة البشير مهرولاً لمصافحة سلفاكير فى العاصمة الإثوبية أديس أبابا وليس فى وجهه زرة من خجل، كانما ذلك الشخص الذى وصف الجنوبيين بالحشرات ليس هو.
وبما أن إساءة الآخرين وتجريحهم صفة متأصلة لدى الشخص الكذاب لم تقف إساءات البشير عند أبناء الجنوب الذين آثروا الإنفصال فى عهده، بل شمل ايضاً قادة الحركة الشعبية قطاع الشمال حيث وصل سيل إساءات البشير لمالك عقار رئيس الحركة الشعبية ووصفه بأنه (تور) لايفهم، جعلوه والياً فأبى إلا أن يصبح متمرداً، إن عقدة الشعور بالنقص التى تلازم البشير لعلمه أنه لم يكن صانع الإنقلاب الذى أتى بحكومة الإنقاذ، ولم يكن يلعب أكثر من دور ثانوى فى تلك المسرحية، وحتى اليوم البشير يعلم أنه لايستطيع ان يتحكم فى مفاصل الدولة ولا يستطيع أن يصدر أى قرارات حساسة بصفته رئيساً للجمهورية، ذلك لوجود مجموعات نافذة أخرى تسيطر على مراكز صناعة القرار داخل الأجهزة السياسية والأمنية للدولة على الرغم من محاولة البشير خلق وجود قوى له داخل تلك المؤسسات عبر مجموعات تدين له بالولاء الشخصى قوامها اقاربه وأبناء عشيرته، إلا أنها ظلت عصية على سيطرته الكاملة، كل ذلك بطبيعة الحال يزعزع ثقته فى نفسه ويعمق داخله الشعور بالنقص ويجعله دائماً فى حاجة ماسة للإحساس بإلتفاف الآخرين حوله، مما يدفعه لمحاولة خلق بطولات وهمية وعنتريات جوفاء عبر الإساءة للأخرين وتحويل صراعاته مع الدول والمؤسسات إلى خلافات شخصية، كما حدث فى موضوع المحكمة الجنائية، حيث خلط البشير بين صراعه مع المحكمة الجنائية كمؤسسة لاترتبط بوجود شخص محدد وبين مدعى المحكمة لويس اوكامبو، وحاول البشير أن يرسم شكل الصراع على انه صراع شخصى بينه وبين أوكامبو، وأصبح يكيل له الشتائم ويسبه أينما وجد متسعاً لذلك، وكل تلك التناقضات كان لابد ان تدفع بالبشير إلى ممارسة جميع صنوف الأكاذيب بل ووصل به الحال فى كثير من الأحيان إلى تصديق الكاذيب التى يطلقها، حتى صار كذبه من الأمور المعتادة التى لايلقى لها الشعب السودانى بالاً.
إن شخص مثل البشير لامكان له على خارطة المجتمع الإنساني السوى ناهيك ان يسبق أسمه لقب رئيس لدولة عُرف أهلها بين كافة شعوب الارض بالصدق والامانة والإخلاص وعزة النفس، ولكن هى سخرية القدر التى أتت به لهذا المنصب الرفيع حينما وجد فيه (الجبهجية) مايبحثون عنها من صفات تجتمع لدى شخص واحد يجيد لعب الدور الذى رسم له، وتلك الوقائع التى عرضناها ماهى إلا نماذج محدودة جداً لكذب البشير، ومن يريد ان يتتبع كذب البشير عبر سنواته الأربع والعشرون فلن يستعصى عليه تأليف الكتب فى هذا الشأن.

الخميس، 19 يوليو 2012

خربشات على جدار الثورة السودانية (1)



عبدالهادى الحاج


إن الوسيلة الوحيدة الفعالة لقطع دابر الإستبداد هى ترقى الأمة فى الإدراك والإحساس، وهذا لايتأتى إلا بالتعليم والتحميس، ثم إن إقتناع الفكر العام وإذعانه إلى غير مألوفه لايتأتى إلا فى زمن طويل، لان العوام مهما ترقوا فى الإدراك لايسمحون بإستبدال القشعريرة بالعافية إلا بعد التروى المديد، وربما كانو معذورين فى عدم الوثوق والمسارعة لأنهم ألفوا أن لايتوقعوا من الرؤساء والدعاة إلا الغش والخداع غالباً. عبدالرحمن الكواكبى- طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد... قبل قرن ويزيد من الزمان إستطاع عبدالرحمن الكواكبى أن يكشف عن جزء من مكنونات العقل الجمعى للشعوب التى تجد نفسها تنئن تحت وطأة الإستبداد السياسى وجبروت الطغاة، من حيث إستكانتها ورضوخها وتسليمها بالأمر الواقع دون التفكير فى سبل الخروج من جحيم التسلط والقهر، خوفاً من المجهول وتوجسها منه أو كما قال الكواكبى عدم السماح بإستبدال القشعريرة بالعافية، ولكن فى ذات السياق حدد شروطاً لقطع دابر الإستبداد إرتبطت بالترقى فى الإحساس والإدراك والتعليم والتحميس وإقتناع الفكر العام. الآن وبعد مرور شهر على إشتعال ثورتنا الشعبية فى السودان ضد نظام مستبد جثم على صدر الأمة السودانية 24 عاماً، لاننكر أننا خسرنا الكثير من الوقت لإجل إقناع الفكر العام بأن العافية سوف تأتى بالفعل حين الشفاء من داء النظام المستبد، فجدلية البديل التى حاولت التسويق لها ترسانة الأمن الإستبدادى عبر أبواق النفاق والضلال من أزلام الطغاة، أثبتت عدم مقدرتها على مقارعة الحجة بالحجة، والمنطق بالمنطق، فتهاوت أسطورة السلطة المودعة لعيىسى بن مريم تحت زئير الجماهير الغاضبة على كل ماهو ذى صلة بالنظام المستبد فى السودان. إن البديل المطروح اليوم يعد بتمام العافية للجسد السودانى المنهك بالفساد والإستبداد والحروب والقتل ، عبر آلية دولة المؤسسات كبديل لدولة الإستبداد ودولة الحقوق المدنية كبديل لدولة الطغيان، وليس المقصود بالبديل تلك الوثيقة المعروفة بوثيقة البديل الديمقراطى، إنما البديل سوف يتقدم عبر أولئك الشباب الذى حملوا على عاتقهم هم الوطن المثقل بالجراح، أولئك الشباب الذين يحشرون الآن داخل زنازين نظام الإستبداد حشراً بعد أن جعلو الطاغية يشعر بأن قصوره قد ضاقت عليه بمارحبت، وان صوت الحرية الذى يصدحون به بأت يؤرق مضجعه صبح مساء. سوف تدك حصون الطائفية البغيضة وسوف تضمحل تجارة الدين إلى غير رجعة، وسوف تجتث شجرة الإنقاذ الخبيثة من جذورها، وهذا ليس من باب التمنى أو الرجاء إنما من موشرات سير الأحداث على الساحة ، ومن قراءة تاريخ الشعوب، وليس مايهمنا اليوم أننا نسير ببطء، بل ما يهمنا أن نواصل السير فى الطريق الصحيح، فقد إنكسر حاجز الرهبة والخوف من بطش النظام المستبد وعلم الجميع أن الحقوق لاتستجدى بل تنتزع، وتلك هى المرحلة الأصعب لتفكيك حلقات النظام المستبد المحروسة بقبضة الأمن، والتى يتم تغذيتها من خلال تغبيش الوعى وبث الأراجيف. إن المرحلة الحالية للتنظيم والتخطيط والعمل على إرهاق الطاغية حتى يسقط جثة هامدة، لقد إنطلقت الشرارة عفوية أو كرد فعل لسياسات غبية أكدت أن المشكلة الأساسية ليست فى السياسات بل فى النظام ذاته، وأشتعلت الشرارة حتى صارت الثورة شعلة تستلمها كل يوم فئة من فئات الشعب المكتوية بظلم النظام، بل وأضحت الثورة فعلاً يومياً وجزءاً من حراكنا الحياتى، وكما قيل فإن دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة.

الجمعة، 17 فبراير 2012

عفواً سيادة الرئيس .. كان ينبغى أن تجيب على هذه الأسئلة قبل زيارة البحر الأحمر

عبدالهادى الحاج

عفواً سيادة الرئيس .. قبل أن تطأ قدماك ولاية البحر الأحمر يتسأل المواطنون هناك هل سوف تعدهم بشرب مياه النيل خلال بضعة أشهر كما وعدتهم سابقاً .. ولم تفى بوعدك .. وهل سوف تعدهم بأنكم سوف تعيدون لمشروع دلتا طوكر سيرته الأولى كما وعدتهم سابقاً.. ولم تفى بوعدك.. وهل سوف لن تعدهم بإسترداد مثلث حلايب المغتصب من قبل الدول المصرية.. كما لم تعدهم سابقاً .. وهل سوف تحاربون شبح المجاعة الذى يهدد أرياف القنب والأوليب واللأى كليب وعدوبنا وعيتربا وإيس وفدوكوان وغيرها .. وغيرها من أصقاع الولاية التى صارت مناطق كوارث فى عهدكم.. وهل سوف تسأل واليكم المبجل صاحب الفخامة معالى الدكتور (الفخرى).. عفواً إن قلت فخرى فإننى فقط قصدت صاحب الدكتوراة الفخرية التى لايعلم أمرها حتى ممتهنى صحافة المركز العاصمى .. هل سوف تسأل محمد طاهر إيلا عن حقوق معاشيو الولاية التى تجاوزت الـ92 مليار جنيه كمديونية لصندوق المعاشات على الولاية .. مما دفع الصندوق لعدم صرف إستحقاقات المعاشيين لأكثر من 5 أعوام .. والمواطنون لايزالون يتسألون .. هل سوف تسأل يا سيادة الرئيس عن منحة غلاء المعيشة التى أصدرتم أوامركم بصرفها للعاملين بالدولة .. ولم يسمع بها بعضاً من معلمى دولتكم فى البحر الأحمر حتى اليوم ..وهل .. وهل .. وهل والقضايا تطول قائمتها..
عفواً سيادة الرئيس فالمواطنون من حقهم أن ترد على أسئلهم حتى يخرجوا لإستقبالكم.. وحتى يشاركونكم الرقص على شرف مهرجان السياحة الذى صرف عليه واليكم المبجل الغالى والنفيس .. وحتى يجددون لكم العهد .. ويعيدون لكم الثقة.. ويهتفون لكم بعمالة أوكامبو ومحكمة جناياته .
سيادة الرئيس .. إن لم تجب أو ترد على تساؤلات مواطنيكم فى البحر الاحمر فإننى سوف أوضح لسيادتكم مايحفظها مواطنو البحر الأحمر من إجابات لتلكم التساؤلات التى تدور بمخيلتهم.
إنهم يعلمون أن مياه النيل ماعادت إلا كسراب بقيعة يحسبه الظمأن ماء حتى إذا أتاه لم يجده شيئاً.. وأن وعدكم السابق خلال العام الماضى بأنهم سوف يشربون مياه النيل خلال صيف العام الحالى ذهب أدراج الرياح لأن فترة العام التى كنتم ترونها بعيدة ويرونها قريبة قد جأت ولم يشربوا مياه النيل، وهم اليوم فى إنتظار الصيف الذى يليه ويعلمون أنهم لن يشربوا أبداً ، ليس لأنكم لم تفوا ولن تفوا بوعدكم.. فقط لأن الشركات الصينية التى كانت سوف تنفذ المشروع بموجب القرض الصينى الذى كنتم سوف تأخذونه والبالغ 470 مليون دولار ، لن تمنحكم له الحكومة الصينية بعد اليوم، لأنها سبق وأن قالت لكم أنها لاتضمن إستردادكم للقرض إلا عبر ضمانات بترولية عن طريق شركاتها العاملة فى مجال البترول السودانى من خلال حصة حكومتم من البترول.. وهذه الشركات ترى أنكم اليوم ما عدتم تمتلكون هذا البترول وبالتالى هذه الشركات لم يعد لديها مايضمن بانكم سوف تسددون قيمة القرض الذى سوف تنفذون به مشروع مياه النيل.. ومواطن البحر الاحمر يعلم بأن حلمه بشرب مياه النيل قد ولى دون رجعة ضحية مماطلتكم وتسويفكم خلال السنوات الماضية، والآن ضحية فقدان البترول وبالتالى فقدان أصدقاؤكم الصينين ثقتهم بإمكانية إسترداد قيمة القرض.
أما مشروع دلتا طوكر ياسيادة الرئيس فالمواطنون يعلمون أن واليكم المبجل فى البحر الاحمر ليس من أولوياته الزرع ولا الضرع.. ولايفقه فى كنهها أكثر من ما يفقه عن علوم الفضاء والفلك، وأن وزير زراعة واليكم يدرك أن التعاقد مع صبية نجوم الغد وإستقبال المطربات الفاتنات فى مطار بورتسودان هو مايضمن له البقاء على كرسى الوزراة وليس الإهتمام بتفيذ توجيهاتكم فيما يخص المشروع، وأن شجرة المسكيت لم تترك من مساحة الدلتا شبراً إلا وأحتلته، وأن مشروع نفرتكم الخضراء الذى وعدتم بأن يكون دلتا طوكر جزء منه لم يبارح ادراج المكاتب المكيفة.
أما حلايب ياسيادة الرئيس فالمواطنون يعلمون أنكم حتى الآن لم تمتلكون الجرأة التى تجعلكم تطلبون من الحكومة المصرية الجلاء عن أرضكم التى إحتلتها عنوة وإقتدارً، وأنكم لم تكونوا تقصدون الأرض المحتلة فى حلايب حينما تتحدثون عن سيادة البلاد بل فقط إن السيادة تتجسد فى شخصكم المعظم، وأن الشباب الذين جاءو من المثلث المحتل خلال زيارتكم الأخيرة يرفعون اللأفتات ترحيباً بمقدمكم قد خزلتموهم عندما لم تعلموا بأضعف الأيمان وتؤكدون على سودانية حلايب بل قمتم بتمجيد الثورة المصرية وشبابها ومددتموهم بماطاب لهم من الانعام آلآف مولفةً.
سيادة الرئيس المواطنون يعلمون أن قضية حلايب المحتلة لم تعد مرتبطة بملف محاولتكم إغتيال حسنى مبارك إبان مراهقتكم السياسية وتورط قيادات نافذة فى حزبكم بتلك التصرفات الصبيانية الطائشة، إنما صارت قضية إحتلال لا يمكن إزاحته إلا بالقوة (والرجالة) وأنكم لم تبلغوا هذه المرحلة بعد، لذا فالمواطنون لاينتظرون وعداً من سيادتكم بأداء صلاة العيد المقبل داخل المثلث المحتل.
سيادة الرئيس إن مواطنيكم فى جنوب طوكر لاينتظرون منكم زيارتهم لأنهم يعلمون أن تلك المنطقة لاتزال تصنف ضمن المناطق الأمنية وان زيارتكم لها سوف تنطوى عليها مخاطر كبيرة على حياتكم بسبب حقول الألغام التى لم يتم تفكيكها حتى اليوم، ولايضيرهم إن تعرضت حياتهم للخطر أو أن يفقدوها بالمرة لانهم إن لم يفقدونها بسبب الألغام حتماً سوف يفقدونها بسبب الجوع أو الأمراض الفتاكة، وإن لم يظفروا بهذه أوتلك فالفيضانات والسيول لهم بالمرصاد كما حدث خلال العام الماضى، كما يعلمون سيادة الرئيس أن واليكم المبجل بالبحر الأحمر يحرمهم من أبسط الحقوق الحياتية من صحة وتعليم، هل تعلم ياسيادة الرئيس أن واليكم لم يسبق له أن زار هذه الأصقاع النائية من ولايته لم يسبق له تفقد أحوال مواطنيه فى إيس وفودكوان واللأى كليب والاوليب وعيتربا وعدوبنا وقرورة وهمبكتا نعم همبكتا.. إسأله ياسيادة الرئيس إن كان يعرف موقع همبكتا فى خارطة ولايته.. هؤلا جميعاً يقتلهم الجوع والمرض .. لاتستغرب سيادة الرئيس إن علمت أن فيهم من لايزال يعتقد ان رئيس البلاد هو جعفر نميرى.. عفواً سيادة الرئيس فأغلب هؤلا لاينتظرون قدومكم لزيارتهم فقط لأنهم لم يسمعوا بك من قبل.
سيادة الرئيس .. إن معاشى البحر الاحمر لاينتظرون منك أن تحل قضيتهم التى زاع صيتها حتى بلغ عنان السماء.. لاينتظرون منك حلاً لانهم يعلمون أنك تبارك مايسميه واليكم المبجل وحاشيته بالتنمية.. والتى شيدت من الأموال المستقطعة من هؤلا العواجيز الذين أفنوا زهرة شبابهم فى خدمة هذا الوطن.. ويعلمون أن مباركتكم لهذه التنمية الزائفة تعنى مباركتم للظلم.. ويعلمون أنكم لم تسألوا واليكم المبجل يوماً عن متى سوف يسدد هذه المليارات التى تجاوزت التسعون لصندوق المعاشات حتى يعيدها لأصحابها.. المليارات التى يرونها تذهب (إسفلتاً) ومكياجاً خادعاً تُجمل به مدينة بورتسودان، بل جزء من مدينة بورتسودان فى الوقت يعيش فيه أكثر من نصف أحيائها فى بؤس من الحياة حتى صارت كالفتاة التى تحاول ان تستر جسدها العارى بمعطف باهظ الثمن فى ذات الوقت الذى تلهث فيه عطشاً.
سيادة الرئيس.. إن المعلمين فى البحر الاحمر لن يسألونكم عن متابعتكم لقراركم الذى أصدرتموه بصرف منحة غلاء المعيشة التى كانت عبارة عن 100 جنيه، لانهم يعلمون أنكم لم تقوموا بمتابعة تنفيذ القرار وأن المدراء التنفيذيين للمحليات قد حرموا المعلمين من هذه المنحة، لا لشئ إلا لانكم لم تقوموا بالمتابعة.. للدرجة التى حدت باحدهم أن هدد معلمتين فى إحدى المحليات النائية بقطع رزقهن إن سألن عن المنحة مرة أخرى، لأنه يعلم أنه ليس هنالك من يحاسبه مع إحاطت سيادتكم علماً بان ذلك المدير التنفيذى يورد فى حساباته للمالية أنه قد قام بصرف تلك المنحة، وبالطبع هؤلا المعلمون لايريدون إستفزاز سيادتكم حينما يبلغوكم بأن هذا المدير التنفيذى الذى يلبس نفسه ثوب (الملك المعظم) لايزور تلك المحلية إلا يومين خلال الشهر، لانه ليس بمقدوره ترك (عشرة كوتشينة) فى كورنيش إيتناينا على حافة مساءات بورتسودان السياحية.
سيادة الرئيس ذلك جزء يسير من الإجابات التى يعلمها مواطنو البحر الاحمر عن الأسئلة التى سوف يطرحونها على سيادتكم عندما يحط رحلكم الميمون على أرض الولاية.. لذا كان على سيادتكم أن تجيبوا عليها قبل ان توجه لكم إن كان لديكم من الأجوبة مايخيب ظن المواطنين.
ختاماً سيادة الرئيس مواطنو البحر الأحمر سوف يقولوا لك بأنهم لم يتركوا (سف التمباك).. لانهم حينما سألوا عنه وجدوا أن حكومة سيادتكم تتحصل الضرائب من تجارته وتستخرج الرخص والتصاديق لمحلات بيعه بل علموا أن بعضاً من وزرائكم يتعاطونه خلسة وعلانية.. لذا عملوا بقاعدة لاضرر ولاضرار.
كما يريدون أن يبلغوا سيادتكم انهم لم يتمكنوا من الإستحمام بعد.. لانهم لايريدون أن يزيلوا ما بإجسادهم من درن إلا بماء النيل كما وعدتموهم بذلك ..
وينتظرون من سيادتكم الإيفاء بالوعد أو إخبارهم بان الامر لم يكن أكثر من مزحة (وكلام والسلام).