السبت، 10 ديسمبر 2011

التيار الليبرالى وصناعة مستقبل السودان

عبدالهادى الحاج
(إن المستقبل ينتمي الى هؤلاء الذين يعدّون له اليوم) ..
مالكوم أكس

ثمة سؤال يتبادر لذهن جميع المتابعين للشأن السياسى السودانى .. وهو لماذا ظل الشعب السودانى صامتاً عن الصراخ فى وجه حكومته فى ظل موجة الثورات والإحتجاجات التى تجتاح محيطه الأقليمى على الرغم من الوضعى الإقتصادى والأمنى بالغ السوء الذى تعيشه البلاد؟؟ وتختلف الإجابة على السؤال بحسب المرجعية التى يستند إليها صاحب كل إجابة.. فهنالك من يقول أن الشعب السودانى واعى ولايريد أن يجازف بوحدة البلاد فى ظل الأوضاع المضطربة على هامشه الجغرافى لاسيما مع عدم وجود بديل مقنع للحكم يمكن أن يخلف النظام الحالى ووجهة النظر هذه ترى أن هذا النظام على الرغم من كبواته المتلاحقه إلا أنه يعتبر أفضل السيئين؛ وهى وجهة نظر أقرب للرسمية و يتبناها من يوالون النظام.
وهنالك من أن يرى إن الإطاحة بالنظام الحالى تعنى العودة لمسلسل السيدين الذى أصاب الشعب والدولة السودانية بالملل كما حدث عقب ثورة أكتوبر وإنتفاضة أبريل؛ وهو الأمر الذى يرفضه الشعب السودانى بدرجة لاتقل عن رفضه للنظام الحالى وتبدو رؤيته بضرورة أن تتقدم قوى بديلة المشهد السياسى وتعلن عن رموزها السياسية وأطروحتها التى تلهم الجماهير بالثورة؛ ووجهة النظر هذه تعبر عنها شريحة كبيرة من غير المنظمين سياسياً أو الأشخاص الغير منتمين لأى من الأحزاب السودانية.
كما أن هنالك إجابة أخرى ترى أن عدم تحرك الشارع السودان نحو الثورة يعود إلى أن التغيير القادم فى السودان لن يكون مركزياً كما كان سابقاً وأن قوى الهامش هى التى سوف تصنع التغيير ولاتعقد أملاً فى تحرك النخب السياسية المعارضة بما فيها القوى الحديثة واليسارية لانها حسب وجهة النظر هذه سوف لن تكون إلا قناعاً آخر للنظام الحالى وحلقة أخرى فى مسلسل سيطرة النخب (الشمالونيلية) على مفاصل ماتبقى من السودان، وهذه النخب بصورة أو بأخرى غير متضررة من بقاء النظام لسنوات قادمات على الأقل مع عدم إمتداد الحرب لمناطقها على الرغم من إكتوائها بلهيب الأزمة الإقتصادية، ووجهة النظر هذه يتبناها عدد كبير من أبناء مناطق الهامش السودانى الذين يرون أن الحل لن يكون إلاعبر البندقية.
أيضاً هنالك من أصبح يرى أن مسار أى تحرك نحو ثورة قادمة يجب أن يبدأ مطلبياً أو فئوياً أو حتى قبلياً بسبب ضعف لحُمة البناء الوطنى، وقد ترجم هؤلا ذلك عبر أحداث مياه أمدرمان وأحداث المناصير وأحداث القضارف.
وبالنظر إلى الواقع الذى أفرزته ثورات الشعوب فى محيط السودان الأقليمى، نجد أن بزوغ نجم حركات الإسلام السياسى كان هو الحدث الأبرز الذى سطرته الثورات العربية وبما أن تلك الدول ظلت تسيطر عليها أنظمة إستبداية لادينية فإن النظام السودان يعد على النقيض نظاماً إستبدادياً دينياً الأمر الذى يجعله عبئاً ثقيلاً على الوطن، لذا حينما إنطلقت شرارة الثورة فى تلك البلدان تقدمت القوى الإسلامية الصفوف وطرحت نفسها بديلاً للإنظمة السابقة عبر تبنيها لشعارات براقة عملت على إستغلال العاطفة الدينية لتلك الشعوب، وهنا يبدو تباين الحالة السودانية بالمقارنة مع الحالات الأخرى جلياً، ففى تلك الحالات ينظر لقوى الإسلام السياسى على أنها قوى جديدة تفتح آفاقاً لمستقبل أفضل نحو تداول سلمى للسلطة ولم يسبق لرموزها أن لحقت بهم أى شبهات متعلقة بالفساد أو إنتهاك حقوق الإنسان؛ بل كانو هم الضحية التى عانت من ذلك، فى الوقت الذى نجد فيه أن النظام السودانى والذى يمثل أحد تيارات الإسلام السياسى على الرغم من الإنشقاق الذى أصابه، يعتبر جزء من آلة الفساد والإستبداد فى المحيط الأقليمى وأحد أبرز العقبات التى يجب التخلص منها لبناء السودان الديمقراطى العلمانى وإقرار مبدأ التداول السلمى للحكم، الأمر الذى يبعد إمكانية أو فرضية صعود تيار إسلاموى أو دينى للسلطة؛ لتصبح الساحة السودانية مهيأ إما للقوى التقليدية أو قوى الهامش والحركات المسلحة أو القوى الليبرالية، ليبرز سؤال آخر وهو أى من هذه القوى يمكن أن يكون خياراً للشعب السودانى وبديلاً مناسباً ليطرح رؤيته على الساحة السياسية ؟؟
من واقع الحال يبدو أن رفض القوى التقليدية يعد قاسماً مشتركاً بين كل من يؤمن بضرورة الثورة على النظام الإنقاذى دون تجاهل أن تلك القوى هى الأعلى جماهيرية من بقية القوى الأخرى كما تعد الأكثر فاعلية فى تحريك الشارع السودانى، على خلاف النخب الليبرالية التى يتركز وجودها وسط الشرائح الصفوية فى المجتمع وبدرجة محدودة وسط بعض الراسماليين الوطنيين، أما قوى الهامش السودانى فهى تنحصر فى عدد كبير من الولايات الغربية والجنوبية (الجديدة) وولايات الشرق، وهذه القوى على الرغم من أنها تمثل قوى جماهيرية لايستهان بها فى صناعة أى تحرك إلا أنها تعانى الملاحقات الأمنية المستمرة والمكثفة بحجة موالاة المجموعات المتمردة على الدولة وتلك التى تحمل السلاح، بالإضافة إلى أن النظام نجح فى دق إسفين بينها ومجموعات وسط السودان مستخدماً فى ذلك التناقضات العرقية كفزاعة لتخويف العناصر الوسطية من سيطرة المجموعات غير العربية على مفاصل البلاد، وذلك عبر تسخير آلته الإعلامية الضخمة الأمر الذى جعلها مثار شكوك كثيرة حيال تقدمها أى عملية تغيير قادم.
لكن إذا نظرنا من زاوية أخرى نجد أن جميع القوى الشبابية المنتمية للأحزاب التقليدية تبدو ناقمة على قيادات أحزابها بسبب وضعها على هامش صناعة القرار داخل تلك الأحزاب بالإضافة إلى معاناتها من سيطرة الحرس القديم على مفاصل أحزابها والمغازلات المستمرة بين أولئك القادة ونظام الإنقاذ، متجاهلين فى ذلك التضحيات الجسام التى قدمها أولئك الشباب حينما كان التعذيب والإعتقال والتصفية هو العنوان الوحيد لتعامل النظام مع القوى السياسية الاخرى، بل أن قادتهم على إستعداد للإنخراط فى النظام مقابل بعض المكاسب الشخصية المحدودة، كما هو الحال مع الحزب الإتحادى الديمقراطى فى مشاركته الأخيرة، فى ذات الوقت فإن معظم هؤلا الشباب لم يتركوا أحزابهم وظلوا جزء منها على الرغم من سخطهم المتجدد عليها إلا أنهم لايمانعون فى الإنضمام إلى الأجسام الشبابية الأخرى التى تدعو لإسقاط النظام بالصورة السلمية سواء كان تلك الأجسام التى إستطاعت أن تخرج للعلن وتعلن عن نفسها كمجموعة (قرفنا) وتحمل هذه المجموعات لعبء الملاحقات الأمنية، أو تلك التى ظلت تبث دعواتها عبر الإنترنت، وفى كلا الحالتين فإن ذلك يؤكد إستعداد هؤلا الشباب لترك أحزابهم التقليدية متى ما وجدوا الأجسام التى تجسد طموحاتهم وأحلامهم فى بناء وطن يسع الجميع، كما أن هؤلا الشباب لديهم مواقف واضحة تجاه قضايا التعدد الثقافى والعرقى والدينى فى السودان وقضية فصل الدين عن الدولة، على عكس قادتهم الذين تبدوا مواقفهم حيال هذه القضايا أقرب إلى مواقف التيارت الإسلاموسياسة التى يقف على راسها النظام الإنقاذى.
إن تلك التناقضات تضع شريحة شباب الأحزاب التقليدية فى خانة قريبة جداً من التيار الليبرالى السودانى والذى يمكن أن يستفيد من طاقاتهم الشبابية لدعمه فى المرحلة الثورية والإستفادة من جاهزيتهم التنظيمية ليصبحوا جزءً منه والعمل على إحتوائهم لدعم أطروحته السياسية كبديل مناسب لقيادة البلاد خلفاً للنظام الإنقاذى.
أما التيار الليبرالى السودان على الرغم من محدوية أنصاره إلا أنه يمتلك عدد من النقاط الإيجابية التى لو إستطاع التعامل معها بشكل أمثل سوف تفتح له آفاق القيادة المستقبلية فى السودان، حيث يسيطر المنتمون للتيار اللبيرالى على قيادة جميع منظمات المجتمع المدنى النشطة ومراكز التنوير والحداثة بالإضافة إلى تمدده فى مختلف الأوساط الفنية، كما يعد الأوفر حظاً فى إمكانية الحصول على الدعم الخارجى سواء كان مادياً مباشراً أولوجستياً عبر توفر فرص تدريب الكوادر الليبرالية فى مختلف أوجه العمل السياسى من خلال شبكة علاقات واسعة مع المنظمات اللبيرالية العالمية ومنظمات المجتمع المدنى فى الدول الغربية والأفريقية والعربية.
أيضاً هنالك قوى أخرى فى الساحة السياسية لايمكن الإستهانة بها فى صناعة أى تحرك لتغيير النظام وهى قوى اليسار السودانى أو القوى الإشتراكية والتى يقف على رأسها الحزب الشيوعى السودانى والأحزاب القومية العربية، فهى وإن كانت فى الوقت الحالى تكاد تتطابق مواقفها مع موقف التيار الليبرالى فى إسقاط النظام، إلا أن مرحلة مابعد إسقاط النظام قد تكشف عن بعض التناقضات مع موقف التيار الليبرالى؛ لكن لن يكون تاثيرها كبيراً، ففى الوقت الذى ينظر فيه البعض إلى الحزب الشيوعى السودانى على أنه جزء لايتجزاء من القوى التقليدية، نجد أن حراكاً قوياً يعلن عن وجوده داخل قواعد الحزب التى بدأت تتضجر من سيطرة ديناصورات الحزب على صناعة مواقفه، لكن الضوابط التنظيمية الصارمة التى يطبقها الحزب الشيوعى على عضويته تحد من خروج تلك الأصوات عن دوائر الحزب، أما على مستوى البرنامج السياسي فإن الحزب الشيوعى لم يتبقى له من شيوعيته سوى الإسم بعد أن أصبح عدد من قادته يطلقون تصريحات حول علاقة الدين بالدولة تتناقض بصورة أساسية مع المواقف المعلنة والمعروفة للحزب الشيوعى، ونفى شباب الحزب المستمر لتلك المواقف ومحاولة خلق ضبابية حولها يؤكد رفضهم لها، أيضاً فإن الحزب الشيوعى قد فقد معظم قواعده الجماهيرية جراء التخريب المتعمد من قبل النظام الإنقاذى للقطاع الإنتاجى الحكومى، بالإضافة إلى ذلك فإن مساحة الريبة والتوجس التى إستطاعت أن تخلقها التيارات الإسلاموية بين قطاع واسع من الشعب السودانى وكل ماهو شيوعى تدفع عدد كبير من الشيوعيين لطرح مسألة تغيير إسم الحزب كضرورة يتطلبها واقع العمل وسط الجماهير مستقبلاً الأمر الذى قد يخلق تياراً يبدو قربياً جداً من رؤية التيار الليبرالى، أضف إلى ذلك الخبرات الكبيرة التى يتمتع بها الحزب الشيوعى فى ما يتعلق بالعمل السرى حيث يمكن الإستفادة من تلك الخبرات فى مرحلة صناعة الثورة.
أما قوى الهامش السودانى فعلى الرغم من قاعدتها الجماهيرية الكبيرة التى يمكن أن تساهم فى صناعة التغيير إلا أن العنف الذى إنتهجته الإنقاذ كوسيلة وحيدة للتعامل معها حيال رفعها لمطالبها العادلة، جعلها تتوجس من كل ماهو قادم من المركز غض النظر عن ماهية هذا القادم فهو يعد فى نظرها محاولة أخرى للإلتفاف عليها وإحتوائها عن المطالبة بحقوقها التى علا سقفها حد مطالبة بعضها بحق تقرير المصير عن الوطن السودانى، وبالرغم من هذه التناقضات إلا ان التيار الليبرالى السودانى يتفق ويختلف معها فى نقطتين جوهريتين بالنسبة له وبالنسبة لها، فالنقطة التى يتفق فيها معها هى التأكيد على المطالبة بقيام دولة ديمقراطية علمانية ليبرالية فيدرالية، والنقطة التى يختلف فيها معها هى إنتهاج العمل العسكرى المسلح كوسيلة لصناعة التغيير، من هنا تبرز ضرورة إختراق التيار الليبرالى لتلك القوى وإقناعها بضرورة دعم العمل الثورى السلمى دون دعوتها للتخلى عن إستراتيجية العمل المسلح، وضرورة إعطائها التطمينات اللازمة بمستقبل السودان الديمقراطى الليبرالى الذى سوف يحفظ له كينونها الثقافية والعرقية فى إطار الوطن الواحد، وهذه القوى تلقائياً سوف تتخلى عن حمل السلاح حال تحقق التغيير الذى يلبى مطالبها، وفرصتها أكبر فى أن تصبح سنداً جماهيرياً للتيار الليبرالى السودانى.
إن الحالة السياسية السودانية بتناقضاتها وتقاطعاتها تلك تفتح الباب على مصراعيه للتيار الليبرالى السودانى لتقدم الصفوف وطرح نفسه بديلاً مناسباً للنظام الإنقاذى الذى مزق وحدة البلاد بسياسته الإقصائية البغيضة، وعمل على تبنى نهج التهميش السياسى والثقافى والإجتماعى تجاه مختلف العرقيات (اللأ شمالونيلية)، وخرب الإقتصاد الوطنى عبر حمايته ودعمه لآلة الفساد التى وضعت 90% من الشعب السودانى فى خانة الفقراء؛ وإن كانت ثورات المحيط الأقليمى السودانى قد مكنت لصعود تيارات الإسلام السياسى كقوى مستقبلية بديلاً للنظم الإستبدادية اللأدينية التى صار ينظر إليها من زاوية الماضى الواجب إجتثاثه، فإن التيار الليبرالى السودانى يعد الأوفر حظاً للتقدم كتيار مستقبلى لبناء الدولة السودانية الديمقراطية اللأدينية، بديلاً لدولة الإنقاذ الدينية لمستبدة التى يؤمن الشعب السودانى بأنها باتت أيضاً من الماضى الواجب إجتثاثه.

اللص و (البرلوم)

عبدالهادى الحاج

الساعة تعلن تمام الحادية عشر مساء موعد حصاد اليوم الإخبارى على قناة الجزيرة .. والخبر الثانى بعد حمامات الدم السورية وقرارات الجامعة العربية كان عن السودان .. الجزيرة عادة لاتعطى الخبر موقعاً متصدراً إلا إذا كان هنالك مايوازيه من الأهمية فى فحوى الخبر ..فالحدث حسب ماحمله عنوان الخبر كان هو تكوين الجبهة الثورية السودانية التى نصبت هدفها الأول والاوحد الإطاحة بحكومة البشير .. عنوان الخبر كان محفزاً للتسمر أمام الشاشة وإنتظار التفاصيل التى قد تكشف المزيد عن مايحمله التحالف الوليد من رؤى وإستراتيجيات ربما تجود بالخلاص لاهل السودان .. الإستماع للخبر الأول ذى الصلة بسوريا كان مملاًًً .. فمشاهد قتل المدنيين وسفك الدماء وقصف المدن باتت امراً طبيعياً نشاهده كل يوم بل على رأس كل ساعة ونحن نحتسى كوباً من الشاى الدافئ أونشعل سيجارة ننفُس فيها شيئاً من غضبنا المستتر والمعلن ..وأخيراًَ مذيعة النشرة تطلعنا على ان الحركة الشعبية (شمال) وحركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان جناحى (عبدالواحد ومناوى) قد اعلنوا جميعاً عن ميلاد جبهة سوف تسقط حكومة البشير وان الأخيرة قد اشارت بأصابع إتهامها لدولة الجنوب حديثة الولادة أيضاً.. لكنها حتماً قد ولدت بأسنانها طالما أن سقف طموحاتها قد وصل حد التفكير فى العمل على خلاص بقية أقاليم السودان المهمشة من نظام البشير كما فعلت هى وهى لم تحتفل بأولى ذكرى لإستقالالها بعد.. ليأتى تأكيد وزير إعلام البشير كمال عبيد (صاحب الحقنة الأشهر فى تاريخ السودان) مؤكداً أن حكومته سوف ترد على حكومة الجنوب فى الوقت المناسب والمكان المناسب بالكيفية المناسبة..
لم يكد التقرير الإخبارى يصل نهاياته حتى اعلن المذيع الذى كان يناصف زميلته إذاعة النشرة انهم يحدثون من الخرطوم قطبى المهدى القيادى الكبير فى حكومة البشير وحزبه .. بدا قطبى شاحب الوجه كسير العين خفيض الصوت تبدو عليه علامات الحياء.. مالبث بعدها يكيل التهم جزافاً لدولة الجنوب ويكشف علاقتها بالجيش الشعبى (شمال) وكيف أن قادته كانوا ولايزالون (كومندرات) فى الجيش الشعبى (الأب) وأن هنالك مؤامرة أكبر من الجيش والحركة الشعبية والدولة الوليد ذات الأسنان .. تحاك ضد نظام حكمه وضد البلد التى يضعها فى مخيلته و...و... و...المشهد بات مبعثاً للضحك الهستيرى .. هل هذا هو قطبى الذى فتح بلاغاً بأحد اقسام الشرطة قبل أقل شهر يتهم فيه مجهولين بالسطو على منزله ليلاً وسرقة آلاف الدولارات ومثلها من العملة الأوربية والريالات والليرات والدنانير والدراهم والجنيهات غير السودانية طبعاً .. كل ذلك والبلاد تعانى أزمة إقتصادية وأزمة فى النقد الأجنبى لم تشهد مثلها فى قريب الأيام وبعيدها .. كل ذلك ووزير مالية حكومة بشيره يطالب الشعب السودانى بالتقشف وربط الأحزمةً (والعودة للكسرة وأم رقيقة).. بل وأن بشيره نفسه يعلن أنه سوف يعمل على محاربة الفساد المحدود على حسب مايتصور ويعتقد أن الشعب السودانى يتصور مايتصوره.. ثمة تساؤل يلح على طرح نفسه ترى من هو اللص الحقيقى ؟؟ هل هو ذلك الذى إستباح منزل قطبى المهدى وأختلس ماحوى من أموال أجنبية فى جوف الليل ؟؟ أم هو ذلك الذى إستباح وطناً بأمياله المليون قبل ان يفتته إلى آلاف الكيلومترات ليختلس من خزائن أمواله بقدر ما أوتى من جبروت فى وضح النهار؟؟..
عادت مذيعة قناة الجزيرة مرة أخرى لكن هذه المرة لتقول أنها تحدث آخر من باريس عرفته بأنه نائب رئيس حركة العدل والمساواة الدارفورية المقاتلة وإحدى أطراف التحالف الوليد..تعريف الضيف القادم يبعث شيئاً من التفاؤل بان الحديث سوف يعود لفلكه المنطقى .. لكن هيهات فالضيف ينبهر بالكاميرا المنصوبة امامه ويتعلثم فى الحديث .. يهنئ الشعب السودانى تارة .. ويدعو الأحزاب السياسية للحاق بركبهم تارة أخرى .. لم يستقر على كنية يتواصل بها المذيعة الأنيقة التى تحادثه فحيناً (سيدتى) وأحياناً (أختاه).. كما حديثه الذى شكل خليطاً بين الفصحى والعامية .. الأفكار تتشتت والمذيعة تحاول بلباقة إعادة الحوار لموضعه.. فتسأله عن الآلية التى سوف يسقطون حكومة البشير .. ليقول أن مناصريهم بالداخل سوف يخرجون فى (مسيرات) تأكيداً على رغبتهم فى إسقاط البشير وحكومته .. أنهت المذيعة المقابلة ولم ينكأة ضيفها الباريسى جراح الأزمة الإقتصادية الطاحنة التى تنخر عظم المواطن السودانى .. ولم ييمم وجهه شطر دارفور التى يمثلها ليحدثها عن التطهير العرقى والإبادة الجماعية وبشيرها الملاحق دولياً قبل أن يلاحق محلياً .. ولم تسعفه الذاكرة للعود سويعات للوراء للحديث عن قصف معسكرات النازحيين داخل الدولة الوليدة..
(البرلوم) مصطلح يطلقه الطلاب الجامعيين القدامى على الوافدين الجدد من المدارس الثانوية قبل أن يتأقلموا على البيئة الجامعية وطرائق التعامل داخلها فكراً وسلوكاً .. وكما فى الحياة الجامعية (برالمة) .. فليس بعيداً أن يكون فى الحياة السياسية (برالمة سياسيون).. وتحالف الجبهة الثورية السودانية وضع عليه الشعب السودانى ما تبقى لديه من آمال.. ومن النادر فى ظل زخم ثورات الربيع العربى ان تتيح قناة الجزيرة مثل تلك الفرصة الذهبية لأى جهة سودانية معارضة لتوجه سهامها الإعلامية صوب حكومة البشير.. ومشهد (البرلوم الباريسى) واللص (الإنقاذى).. يفاقم المرارات التى ماعادت تحتمل.. ويفتح للبؤس طريقاً ليخترق الأفئدة .. وينهش جرحاً لايزال يذكرنا بمن يحكمون بأسمنا ومن يعارضون بأسمنا أيضاً.