د. لايف مانجرترجمة : مجدى النعيم
مراجعة : جعفر بامكار
يعالج هذا الفصل البقاء الإجتماعى– الثقافى للهدندوة. ويوضح أن البقاء فى الجبال لا يقوم على الموارد الإقتصادية فحسب، وإنما على الموارد الثقافية أيضاً. والمفاهيم الرئيسية التى نناقشها هى المنحدر والقرابة ، والشرف والهوية. ويوضح الفصل أن هذه العناصر تتشكل من كم هى الأرض مركزية فى ثقافة الهدندوة ، ثم يمضى قدماً ليوضح مختلف أنواع التغيرات التى حدثت بسبب الإندماج المضطرد للهدندوة فى مجتمعهم السودانى الأوسع. ففى هذا المجتمع يقابل الهدندوة مجموعات أخرى من الناس مثل التجار ووكلاء الدولة النافذين. وهذا الإحتكاك هو ضرب من اللاتساوى الثقافى. ويوضح نقاشنا هنا كيف يتعامل مختلف الهدندوة مع هذا، بعضهم يتبنى قسماً من الثقافة المهيمنة، لكن آخرين، مثل النساء، يستفدن منه بتحدى وضعهن داخل المجتمع التقليدى. لذا يبدو إستمرار الهدندوة عملية معقدة يجب ألا تختزل إلى محض صراع من أجل البقاء فى بيئة هامشية . مقدمـة : يجب ألا تختزل بقاء الهدندوة على صراع يتكون فقط من الإعتبارات الإقتصادية داخل بيئة طبيعية معينة. فحياة الهدندوة معنية، بالطبع، بأشياء وهذه الجوانب هى العوامل الإجتماعية–الثقافية التى تعطى المباراة الاقتصادية شكلها وتساعد عل تشكيل تصورات الناس عن البيئة الطبيعية والأصول الإقتصادية مثل الحيوانات ومشاركتهم الشخصية فى الحياة اليومية. إذن فهذا الفصل يعالج هذه العوامل الإجتماعية– الثقافية. فهو يسعى الى تأسيس المكونات الإجتماعية– الثقافية الرئيسية لأسلوب حياة الهدندوة . تشمل المفاهيم الأساسية لنقاشنا المنحدر والقرابة والقرابة والشرف والهوية الخ.. ونقارب هذه القضايا بطريقتين. أولاً, بتأسيس العناصر الرئيسية المكونة لهذه الأبعاد الاجتماعية – الثقافية، أي المؤسسات، والمفاهيم الأساسية المنحدر والقرابة والشرف والهوية إلخ.. ونقارب هذه القضايا بطريقتين .. أولاً ، بتأسيس العناصر الرئيسية المكونة لهذه الأبعاد الإجتماعية – الثقافية ، أى المؤسسات ، والمفاهيم الأساسية الخ.. وثانيا سنحاول أن نشير كيف تأثر هذا بالسياقات الاجتماعية –وسيركز هذا النقاش أيضاً على تكيف الهدندوة كمباراة إدارة ، لكنها إدارة لأصول ذات نوع مختلف عن تلك الأنواع , أعني ذات طابع إجتماعي – ثقافي , يرتبط علي وجه الخصوص بمفهوم الشرف (دوراريت). ويجب النظر إلى هذه المباراة الإدارية في سياق الحقائق التاريخية التي يجد الهدندوة انفسهم فيها لذا سيكون الهدف المهم هو تحديد تأثيرات مختلف أنواع العمليات . من هـــم الهدندوة ؟ الهدندوة هم القسم الأكبر من مجموعة البجا وتتحدث لغة التبداوى من الفرع الكوشتى (عائلة فرعية من العائلة الاسيوية – المترجم) والعنصر الأساسي الدي يحدد الأصل والهوية الهدندوية هو نظام القرابة. وترجع كل المجموعات الهدندوية أصلها إلى أبناء باركوين السبعة (الجد الأسطوري) هدات (الجدة الأسطورية). وترجع كل السلالات أصلها إلى باركوين, لكن هناك تمييز مهم بين السلالات التى تزعم انحدارها من واحد من أبناء باركوين والثلاثة المنحدرين من بناته وحالة هذه المجموعات الأخيرة تتضمن سلفا عربيا ذكراً. لذا فقد دخلت نقطة مهمة حول أصل الهدندوة سلفا كموضوع أساسي في تاريخ نسبهم , أي علاقة النسب من خلال الرجال ومن خلال النساء داخل مجموعة الهدندوة وموضوع العلاقة بين الهدندوة كمجموعة بجاوية والعرب. ومع ذلك فالشعور بأن الانتماء الإثنى لكل الهدندوة يرتبط بالاعتقاد في الانتماء لأصل مشترك هو حقيقة. وهذه الوحدة تقوم على الدم (او بوى). فعلاقة الدم هي اساس قرابة الهدندوة وهي موروثة من الأسلاف لذلك يجب الحفاظ عليها .وأحد سبل الحفاظ على السلالة موحدة هوالزواج داخل القبيلة. والرمر الثاني الرئيسي لوحدة القبيلة هو الأرض المشتركة التى ترمز إلى المنجزات التاريخية للأسلاف. وهنا تجب حماية الأرض وإدارتها بطرق تحافظ غلى الشرف الجماعي للهدندوة. وهكذا تدور وحدة الهدندوة حول قيم أضيفت على البنية القبلية كما حددتها السلالات المنحدرة عن الأب , والحقوق المشتركة في الارض ,واللغة المشتركة. وتتجلى الوحدة أيضا في توزيع وقبول مختلف الادواروسط مختلف المجموعات الفرعية لذا فقد أسند (للويلألياب) دور القيادة السياسية والعسكرية ويحتل الهاكولاب موقع النصح والتحكيم (الشورى) بينما يتولى الشبوديناب رمام الأمور الدينية . قبائل وبطون الهدندوة في الزمان والمكان : إنتشرت وحدات الهدندوة عبر المنطقة التى يشغلونها الآن وقد إعتمد هذا الإنتشار على القوة العسكرية والسياسية. وإن القرن التاسع عشر والعشرين مهمان بوجه خاص حيث حدثت التمازجات فى هاتين الفترتين. وكان من بين تأثيرات الإستعمار ذلك الإنتشار الواسع للزراعة المروية والزيادة الهائلة فى زراعة القطن فى دلتا القاش. فأقيمت القرى فى المواقع الإستراتيجية فى القاش وبدأ الناس المنتمين الى مختلف المجموعات الأثنية الإستقرار فيها وهاجرت القبائل من جبال البحر الأحمر الى القاش لتنضم الى هذه القرى وأصبحوا جزارين ومزارعين وخفراء ورجال شرطة وطباخين. وقد أثر هذا التاريخ على مختلف القبائل بمختلف السبل. الجميلاب هم الأكثر عدداً بين قبائل الهدندوة ومنطقتهم الأصلية قريبة من الحدود الأرترية، حوالى ثلثى المسافة بين كسلا وطوكر. وينتشرون عبرالإقليم الشرقى من سنكات الى القضارف. وتركزهم الأكبر (حوالى نصف عددهم الإجمالى) نجده حول موطنهم الأصلى ، أى حول همشكوريب ووينرباب. وقد حدث إنتشار الجميلاب خلال العقود الأربعة أو الخمسة الأخيرة. وتزامن هذا مع ميلاد ونمو طريقة صوفية جديدة تأسست فى مطلع الخمسينات على يد على بيتاى وهو رجل دين من الجميلاب. والجميلاب كانوا هم الأكثر تعرضاً لغارات البنى عامر أثناء حربهم الأخيرة مع الهدندوة. وقد بدأت هذه الحرب عندما وصل الإيطاليون فى إرتريا الى كسلا فى 1940 وإنتهت عندما نجح البريطانيون فى تهدئة المنطقة . وقد بدأ الجميلاب المعرضين للغارات البحث عن سبل بديلة للعيش خلاف الحياة الرعوية التقليدية. فتبنى على بيتاى هذه الدعوة ويذكر أحد أتباعه رسالته فى الكلمات البسيطة التالية (إنك تحب حيواناتك كثيراً وتهتم بها كثيراً . والحيوانات لا تعطيك الفرصة لتعلم القرآن. بعها وأبدأ التجارة. الرجال الكبار يجب ألا يكذبوا أو يسرقوا أبداً ، يجب أن يكونوا أمنين). وقد أعطى الوفاء بهذه التصورات زخماً جديداً لأنشطة الجميلاب ، كما منحهم ميزة على الهدندوة الآخرين أثناء الأزمات التى تؤثر على الحيوانات لأنهم لم يعودوا منخرطين فى الرعى. فإنطلقوا فى التجارة بحماسة دينية ، وبدءوا ينشرون المحطات التجارية عبر الإقليم الشرقى ويبنون بجوارها مساجد صغيرة . وقد لعب التجار أحياناً دور الشيوخ ، حيث كانوا مرتبطين أيضاً بشدة بالأنشطة الدينية التى تدور حول المسجد . وقد مكن تعلم قراءة القرآن ونسخ آيات من سوره معظم التجار الجميلاب من تعلم القراءة ومسك الحسابات وتحسين حالتهم الى حد كبير . وفى الخمسينيات والستينات حدث لهم المزيد من الإزدهار ، فقد إكتشف المزارعون فى القطن الذى يزرعونه فى دلتا القاش وطوكر يجلب أسعاراً أعلى فى الأسواق الحرة فى مينائى مصوع وعصب الإرتريين من تلك التى يدفعها البريطانيون والإداريون السودانيون من بعدهم. فبدأت إثر معرفتهم بذلك تجارة تهريب مزدهرة مع إرتريا. وقد مرت معظم حركة التهريب، حتى توقفها تماماً منذ سنوات مضت بسبب ثورة الإرتريين ضد الإثيوبيين، عبر أرض الجميلاب. وعلى الرغم من أن القبيلة ليس لها "دمر" أو موقع مملوك لها فى دلتا القاش فقد كان أفرادها يسجلون كحائزين بواسطة المؤسسة. لقد أصبح موقعهم كتجار يجد الإعتراف بشكل مطرد . وفى همشكوريب كانت المدارس القرآنية التى أسسها الشيخ على بيتاى للرجال والنساء فى حالة إزدهار فقد كان الشيخ قادراً من خلال شخصيته وكاريزمته على حث الحكومة الإقليمية على إدخال الخدمات الاجتماعية بما فى ذلك مستشفى ومحطة بيطرية فى مكان بعيد عن خطوط الإتصالات مثل همشكوريب. وإرتاد هذه المدارس القرآنية من الطلاب ليسوا من الجميلاب فقط ، بل من كل قبائل الهدندوة ومن قبائل البجا الآخرين من البنى عامر، أعداء الجميلاب السابقين. وتزوج الكثير من أفراد المجوعات الأثينية والأخرى من الجميلاب، وإندمجوا فيها. وهذا واحد من الآليات التى تشجع النمو السريع فى الأزمان المواتية . القبيلة الثانية الأكبر حجماً هى الشرعاب والشرعاب مثل الكثير من قبائل الهدندوة الأخرى ، رحل ينتقلون بين مركزين رئيسيين، واحد فى مرتفعات البحر الأحمر والآخر فى دلتا القاش ، حيث يأتى الرجال فى وقت البذر وفى وقت الحصاد. وقد تترك العائلات والحيوانات فى الجبال بسبب المناخ الصحى وعدم وجود الحشرات . ثم إنعكس الوضع بعد أن إستصلح البريطانيون دلتا القاش وأصبحت العائلات تبقى قريبة من أطراف الدلتا ، بينما تخرج منها القطعان أثناء الموسم المطير . وقد كانت مواقعهم الأولى فى العهود قبل الإستعمار فى جبال البحر الأحمر وجنوب أركويت عندما إستولى البريطانيون على دلتا القاش، تحولوا جزئيا الى دمرهم الثانى فى رقاقات، وهى منطقة غابات فى الطرف الجنوبى من دلتا القاش تقع على مسيرة ساعات قليلة من وقر وهى أكبر سوق فى النصف الشمالى من الدلتا. والكثير من التجار فى وقر حالياً الشرعاب ولا يفوقهم عدداً سوى الجعليين (من النيل) والهوسا ذوى الأصل الغرب أفريقى . يعتمد كثير من الشرعاب على إقتصاد السوق . فالكثيرون يعملون كخفراء (حراس) فى بورتسودان أو وقر. ومن لم يصبحوا سكاناً مستقرين فى القرى بل أصبحوا شبه مستقرين فى الغابة ويملكون ، بسبب الجفاف ، القليل من الحيوانات ويكسبون عيشهم من العمل بالتبادل بين الزراعة من أغسطس الى يناير وإنتاج ونقل الفحم النباتى من رقاقات من يناير الى يونيو والكثيرون منهم يهاجرون الى بورتسودان حيث يحصلون على وظائف . ويبدو أن الشرعاب قد مروا بفترة توسع أثناء الأزمنة الإستعمارية لأنهم عاشوا قريبين من دلتا القاش . وقد سمح لهم هذا بمواصلة مهنتهم التقليدية الرعوية ، كما زاد إنخراطهم فى الزراعة فى نفس الوقت. ويبدو أنه لم يحدث لهم دفع جديد مثلما حدث للجميلاب الذين بدءاو إزدهارهم فى مطلع الخمسينيات وما يزالون يعيشون مرحلة الإزدهار . ولكن يبدوا أن الشرعاب كانوا أقل تأثراً بنتائج الجفاف من القبائل الأخرى التى إعتمدت أكثر على الإقتصاد الرعوى . البشارياب عددهم يماثل عدد الشرعاب تقريباً . وكان دامرهم فى الفترة قبل الإستعمار جنوب سنكات . وقد قدموا الى القاش بعد أن أقام البريطانيون المشروع . فأقاموا دامراً ثانياً على الأطراف الشمالية لدلتا القاش مع حدود الشرعاب فى الجنوب الغربى وقد إزدهر حالهم أثناء الفترة الإستعمارية بإقامتهم إقتصادهم كلياً على الرعى . إذ كانت تربية الحيوانات ، القائمة على قطعان الجمال خاصة ، أقل إنخراطاً فى أنشطة السوق فإحتفظوا تقريباً بمهنتهم التقليدية وهى رعى الجمال والضأن . ويقال أن عائلاتهم قد عانت، خصوصاً فى الجفاف الأخير الذى إستمر طوال السنوات الأخيرة . فقد جفت المراعى القريبة من دامرهم التى تروى عادة بهطول الأمطار وأصبح يتعين عليهم أن يأخذوا جمالهم وخرافهم الى أماكن بعيدة مثل نهر عطبرة والقضارف . ونتيجة لذلك ترك للعائلات القليل من اللبن لإستخدامها الخاص . ولأن البشارياب رعاة أساساً فقد أصبحوا من بين الأكثر تأثراً بالجفاف الذى سبب نفوق أعداد هائلة من الحيوانات . وبسبب إحتكاكهم المحدود بسوق وقر ، لم يكونوا قادرين على إستكمال دخلهم بأنشطة بديلة . وقد بدءوا خلال السنوات الأخيرة الإنتقال الى أطراف قرية وقر حيث تخيم أعداد متزايدة منهم جنوبى القرية فيما أصبح أفقر جزء فيها . وهم يدخلون الآن الى بنية القرية فى أدنى مستوى ممكن يسحبون المياه من الآبار للحيوانات أو يعملون كسقاءين . وهناك تجار بشارياب قليلون جداً فى سوق وقر فى الوقت الحالى . ولكن بدأ شيوخ من نواحٍ قصية يعيشون فى القرية حيث أدركوا أهمية الإتصال بالسوق . وبسبب عزلتهم ، فإن القليلين جداً من البشارياب ملمون بالقراءة والكتابة ، ويعتبرهم الهدندوة الآخرين فظين ومشاكسين . ويلى البشارياب فى القوة ( القرئيب) . ومكانهم الأصلى جبيت ، بين سنكات وبورتسودان. والقرئيب هم أقرب قبائل الهدندوة موطناً الى بورتسودان. وقد إستفادوا من كل المزايا الناشئة عن قربهم من مركز تجارى مهم . فوفروا العمال والمستخدمين للسكك الحديدية والميناء. ويعتبرون الآن بصفة عامة أفضل الهدندوة تعاملاً والعديدون منهم أصبحوا سائقى لوارى وميكانيكين بالسكة حديد وعمال فى ورشة جبيت للسكة حديد وبعضهم مدرسون. وقد ساعدتهم تخصصاتهم على الهجرة الى مدن أخرى على خط السكة الحديد مثل سنكات وهيأ ومسمار ، لكن القليلين منهم جاءوا الى القاش. إنهم يتحضرون بسرعة . أيضاً من بين أكبر القبائل قبيلة ( السمرأر) التى كان لها موطنين ، الأول شمال سنكات والثانى فى دلتا القاش فى أوليب جنوب شرق (وقر) . وقد قطع الناس فى هذه القبيلة شوطاً أبعد فى إنخراطهم فى أنشطة السوق والزراعة ونتيجة لذلك لم يتأثروا كثيراً بالجفاف الأخير. وهم يعيشون فى قرى القاش أو المناطق المجاورة لها ويستكملون دخلهم الناتج عن الحيوانات القلية التى يملكونها بأنشطة مرتبطة بسوق القرية والزراعة. ولا تتمتع هذه القبيلة بهوية قبلية بمثل قوة هوية الجميلاب أو الشرعاب أو البشارياب. لأنهم قطعوا شوطاً أبعد فى الإستقرار. فأيدولوجيا القبيلة التى بدأت تستقر ، طغت عليها ولاءات مختلفة أكثر إلتصاقاً بحياة القرية . ومن بين القبائل المتوسطة الحجم نجد أكثرها نجاحاً ، وإن كان بسبل مختلفة ، القايداب – السمرندواب – الويلالياب وكلها رسخت مواقعها المتميزة أثناء الفترة الإستعمارية فقد كانت كانت كل قبيلة منهم تملك ثلاث شيوعات فى القاش قبل ظهور مشروع القاش. وكان المركز التقليدى للقايداب يقع بين سنكات وسواكن وقد زرعوا شيوعات فى القاش قريباً من وقر وميتاتيب. وكانوا ينقلون معسكراتهم فى الخريف الى منطقة توقوى شمال دلتا القاش ومثل القرئيب كان القايداب أول من أدرك مزايا حياة الاستقرار والتعليم. فقد أصبح العديدون منهم مدرسين وقضاة وموظفين فى الإدارة . ومن لم يلتحق بمهنة فى الإدارة إمتهن التجارة الأكثر ربحية، القائمة على معرفتهم التقليدية التى كانت مفتوحة لهم إذ أصبحوا جزارين. ولن نجانب الصواب لو قلنا أن هناك القليل من القايداب يعيشون فى المعسكرات فى الغابة ، وأقل منهم ما يزالون يعتمدون فى عيشهم على الرعى . ومن عملوا بالجزارة يمارسون تجارة مربحة ، متسقة تماماً مع تراثهم وإتجاههم . وعندما إستقر القايداب فى وقر قبل نحو خمسين عاماً جعلوا من الجزارة تخصصهم. وهم من أغنى الناس فى وقر . ومعظم أولادهم يدخلون المدارس من أجل مهن أفضل. وهم الأقرب بين الهدندوة، ومن وجهة النظر السياسية والطائفية، من الشماليين النيليين المسيطرين. ويتم إمتصاصهم فى التنظيم الإدارى والوطنى ويتوافقون أكثر وأكثر مع الثقافات النهرية السائدة. يتمركز سمرندواب شمال دلتا القاش مباشرة ، بالقرب من أودى. وعددهم نفس عدد القايداب والويلألياب، ويأتون الى دلتا القاش فى نفس الوقت تقريباً. ويستمدون مكانتهم من العدد "الكبير من رجال الدين" الذين ينتمون الى صفوفهم. وهم يعملون كشيوخ وكممارسين طبيين للقبائل الأخرى كذلك . وقد جعلتهم إرتباطاتهم الدينية أكثر إكتفاء ذاتياً من الناحية المالية من القبائل الأخرى التى ترتبط بالإقتصاد الرعوى التقليدى. وقد أصبح بعضهم تجاراً، ولكنهم لم ينخرطوا فى التطورات الجديدة بقدر القايداب. فهم محافظون مثل الويلألياب، رغم أنه ليس هناك تفاوت كبير بين من يملكون ومن لا يملكون داخل القبيلة . ويعود هذا جزئياً الى مهنتهم الدينية التى تحثهم على إشراك أقاربهم الأقل ثراء. لقبيلة الويلألياب وضع مختلف. فقوتهم العددية مساوية تقريباً القايداب والسمارنداب. ولهم قطبا إقامة، واحد قريب من سنكات فى جبال البحر الأحمر والآخر فى الحدود الغربية لدلتا القاش، حيث كانوا كثيرى العدد مثل القايداب. وقد حاز الويلألياب لحوالى مائتى سنة إمتياز نظارة الهدندوة. وقد جعلهم هذا الإمتياز يصبحون محافظين. فهم ليسوا حضريين مثل القايداب، ولا متعلمين مثلهم. والعديدون منهم ما يزالون يتمسكون بالإقتصاد الرعوى التقليدى وهناك القليل من التجار، فهم فى الغالب مستثمرين لثروة تلقوها من إمتيازات الأسلاف التى منحها البريطانيون لهؤلاء الأسلاف وهناك تفاوت كبير فى الثروة بين العائلات التى تنتمى للقبيلة. إذ تحوى كل ألوان الطيف من الأكثر غنى الى الأشد فقراً، والأخيرون هم الأكثر عدداً. ويستفيد أفرادها الأكثر ثراء من المكانة التى إكتسبوها من تعاقب نظار الويلألياب لزمن طويل، مما جعل أفرادها شركاء مرغوبين فى معظم التبادلات الإجتماعية–الإقتصادية. ويبدو أن القبيلة قد فقدت زمام المبادرة وأنها الآن تمر بمرحلة ثبات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق