الاثنين، 28 يونيو 2010

ماذا أنتم قائلون؟؟

عبدالهادى الحاج

قبل خمس سنوات كانوا قلة اولئك الذين أنذروا مواطنى البحر الأحمر بعهد التنمية المقلوبة.. التنمية المظهرية كما يحلو لهم تسميتها .. وكثيرون هم أولئك الذين كانوا يبشرون بالنهضة الكبرى التي سوف تشهدها الولاية.. وهم الذين باتت تترآى لهم روعة مدينة دبي لؤلؤة الخليج.. وكيف ستتجاوزها بورتسودان روعة وجمالاً.. مرت السنون والمتفائلون اعدادهم تتناقص بعد أن بدأت تتكشف لهم حقيقة التنمية المظهرية التي أهملت الانسان وإهتمت بالبنيان.. والمتشائمون في ازدياد بعد أن كفر الكثيرون بالأحلام التي ظنوها واقعاً فلم يشربوا مياه النيل التي كانت قاب قوسين أو ادنى لتحل أم المشاكل في بورتسودان.. وبعد أن نظروا حولهم فوجدوا أن اكثر من نصف المدينة لايزال مظلماً كما كان قبل ذلك .. فكيف لهم أن يستوعبوا أن دبي يمكن أن يكون نصفها مظلماً.. حينها كان الغاضبون ينحصرون في فئة اصحاب المقاعد الدائمة في دواوين السلطة والذين جُردوا من هذا الامتياز.. فاتسعت الدائرة لتشمل المعاشيين والموظفين.. والعاطلين عن العمل.. والمستقطعة رواتبهم.. والتجار.. وأخيراً وليس آخراً العربجية والسقايين وما أكثرهم .. ليصبح الحديث عن التنمية المقلوبة هو حديث العامة من قاطني الولاية.. ولايشمل ذلك زوارها الذين يستقبلهم شارع ترانسيت بجدارياته واشاراته المرورية ولوحاته الارشادية والذين لشدة انبهارهم بذلك الشارع ولولا خشية الكفر لطلبوا من أهل بورتسودان أن يركعوا لذلك الساحر الذي وهبه الله عصاة موسى.. لايهم فالأغلبية باتت تؤمن بنظرية التنمية المقلوبة والدعوة الى الجوهر لا المظهر.. وأن تحدثت بغير ذلك فهذا يعني أن توصم بالجهل والبلادة والسطحية.. أتت الانتخابات والكل على يقين بأن عهد التنمية المقلوبة قد بدأ يصارع سكرات الموت.. فجماهير الولاية جميعها أدركت هذه (الفريه) التي يطلق عليها أهل السلطة وأصحاب الحظوة (تنمية) فكانت الحشود التي أرهبت أهل السلطة أنفسهم.. ونسى الجميع أن ما يحدث في البحر الأحمر هو حلقة واحدة ضمن سلسلة طويلة تكبل عنق الوطن.
فعادت التنمية المقلوبة مرة أخرى عبر البوابة التي أطلقوا أسموها بالشرعية.. وحقيقة عودتها الزائفة رغماً عن أنف الجميع لم تكن تحتاج لتأكيد ولم يجد المتشائمون صعوبة في اثباتها.. فيكفي الفضيحة التي شاهدها العالم اجمع عبر شبكته العنكبوتية .. ويكفي أن البحر الأحمر هي الولاية التي منت عليها المحكمة العليا بعدد لايستهان من الطعون.. ويكفي .. ويكفي.. ويكفي..!
وهاهي التنمية المقلوبة واقعاً ماثلاً مرة أخرى فماذا أنتم فاعلون.. وهاهي أولوياتها تتقزم.. فبعد أن كانت سفلتة الشوارع وانشاء الكورنيشات تفوق أهميتها اهمية توفير ابسط المستلزمات الطبية لمستشفيات المدينة.. أصبح الصراع حول إزالة مجسمات المعالم التاريخية من مداخل المنازل هي الشغل الشاغل.. وهل يحق للمواطن أن يجعل من بوابة سواكن مدخلاً لمنزله أم لا.؟! وهل الحق في إزالتها مخول لسلطة الآثار أم لحكومة الولاية.. وهل سيتمكن قانونى السلطة من إيجاد مسوغ كاف لإزالة تلك البوابة المغضوب عليها حتى يلبوا رغبة جامحة بإزالتها.. أم ستهزمهم نصوص القانون .. في الوقت الذي يصطلي فيه أهل المدينة بلهيب الصيف وإنعدام المياه.. ولكن الامر بسيط عند أدعيا التنمية المقلوبة.. فليغادر الناس المدينة.. نعم عليهم أن يغادروها .. ولتغلق المدارس ابوابها.. وتجمد الجامعات فصولها الدراسية.. ومن اراد أن يبقى في المدينة ليشهد صراع إزالة المعالم الأثرية من واجهات المنازل فسوف نحضر له القطارات المحملة بمياه النيل.. ومن فضلكم لا تزعجونا بالحديث عن الماء والصيف.. هذا الحديث الذي سمعناه مراراً وتكراراً.. ومن لايعجبه ذلك فعليه أن يشرب من البحر..
يروي عن الشاعر الضرير بشار بن برد والذي عرف بهجائه المر لأعدائه أنه قد دخل عليه أحد الاعراب في مجلسه وطلب من الجميع أن ينصتوا اليه ثم بدأ في إلغاء قصيدة هجاء فيها بشار بن برد أشد الهجاء.. فغضب بشار غضباً شديداً وسأل عن من يكون هذا المعتوه الذي يهجوه على رؤس الاشهاد..
فأجابه الإعرابي قائلاً: أنا فلان بن فلان .. ثم عدد جميع الصفات القبيحة ونسبها لنفسه وقال لبشار ماذا أنت قائل؟؟ فصمت بشار لأنه لم يجد شيئاً يهجو به ذلك المعتوه .. فماذا أنتم قائلون يا أهل المدينة المغضوب عليها؟!

وزير نتيجة لتشابه أسماء

عبدالهادى الحاج

(معالي الوزير) فيلم سينمائي للنجم أحمد زكي يجسد من خلاله شخصية موظف صغير يتم إبلاغه بأن إسمه قد ورد ضمن قائمة الوزراء الذين اُعلنت اسماؤهم في تشكيل وزاري جديد وعليه أن يحضر أمام رئيس الجمهورية لأداء القسم.. رغم احساس الموظف بأن في الأمر شيئاً ما إلا أنه أعتقد انه ربما يكون الحظ قد ابتسم له ليجلس على الكرسي الوثير.. وفي اليوم المحدد لأداء القسم يكتشف الرئيس ان الشخص الذي يقف أمامه ليس هو الشخص المعني وأن الأمر لايعدو أكثر من تشابه اسماء.. ولكن خوفاً من الفضيحة التي يمكن أن تحدث إن اكتشفت الصحافة الأمر تمكن معاونوا الرئيس من إقناعه بقبول الأمر الواقع وإعتماد ذلك الموظف الصغير ضمن قائمة الوزراء ومن ثم إعفاءه من منصبه في أقرب فرصة.. فالخوف من الفضيحة هو الذي شفع لذلك الموظف لدخول الوزارة وليست توسلاته للرئيس وتعهده له بأنه سوف يبذل كل ما في وسعه ليؤكد أنه أهلاً لهذا المنصب .. وهكذا أصبح الموظف الصغير وزيراً (نتيجة لتشابه أسماء) كما يتندر عليه بذلك الذين علموا بالأمر.. ولكن تلك (التريقة) التي كان دوماً يجدها من الحاسدين لم تقلل من عزيمته في السعي لتأكيد أهليته للمنصب الذي أتى اليه عبر البوابة الخطأ.. فأصدر القرارات وأعطى التوجيهات وبطش كل متكاسل بيد من حديد.. في الوقت الذي كان يقدم فيه فروض الطاعة والولاء لرئيسة كلما وجد متسعاً لذلك.. حينها لم يجد الرئيس مبرراً لإعفائه ليظل في منصبه (وزيراً نتيجة لتشابه اسماء).. لتطارده بعد ذلك كوابيس الإعفاء من الوزارة ويؤثر ذلك على جميع تفاصيل حياته اليومية.. وعلى العموم فإن (معالي الوزير) تجربة درامية جديرة بإعادة القراءة طالما كانت الدراما هي الأداة التي تأخذنا من موقعنا على خشبة مسرح الفعل اليومي لتحيلنا الى نظارة ومشاهدين للعرض الذي كثيراً ما نستمتع بسخريته من الواقع الذي نجسده في حياتنا.. فلا تزال مجالس المدينة تتناول طرائف التشكيل الوزاري الذي تم في البحر الأحمر على الرغم من مرور وقت على الحدث.. ولازالت مجالس المدينة تحكي الحكايا عن من اُبلغ بالهاتف بأنه قد صار دستورياً.. وعن من أطبقت على منزله جحافل المهنئين.. الذين أتوا ليباركوا له وزارة علم منهم أنه قد تم إختياره لها.. وعن من نحر الذبائح .. ونصب الخيام.. وعن من اعتذر وتعفف عن المنصب.. وعن من ستهطل عليه سحائب العلاوات والبدلات.. وعن..وعن..
وبالطبع في خضم هذا المشهد يصبح الحديث عن الخبرة وعن المؤهلات مجرد حديث مترفين لايعلمون معنى أن يظل الوزير أو المعتمد أو المستشار تحت رحمة سيف الإعفاء من المنصب الذي لم يكن يترآئ له يوماً في أحلامه يقظة كانت أو مناماً.. فليس أمامه حيال هذا الوضع إلا أن يسبح بحمد (والي نعمته) آناء الليل وأطراف النهار.. وهنا لابد من بعض طقوس (الحنفشة والفورة) في استهلالية مشوار المنصب الجديد عبر الزيارات التفقدية والمطالبة بالتقارير وإصدار القرارت والتوجيهات والتبشير بالعهد الجديد المختلف شكلاً ومضموناً عن العهود السالفة.. قبل أن يكشف صاحبنا أنه لم يكن أكثر من مجرد كومبارس في مشهد درامي يكتنفه الهزل.. حينما تأتي مرحلة اللهث وراء صرف المستحقات ويصبح الحصول على المرتب هو أضعف الايمان.. يالها من مسرحية سخيفة.. هزيلة... بايخة..!
اه.. نسيت أن اسرد قصة ذلك الذي أتى الى المدينة وغايته أن يمضي إجازة رائعة مع الأهل والاحباب ولم يكن يدري أن ما ينتظره أروع من تلك الإجازة التي قطع لأجلها الأميال.. فكان أن تم تعيينه وزيراً في الاسبوع الأول من إجازته.