الاثنين، 6 يونيو 2011

الشريعة الإسلامية فى السودان.. جدال ليس له نهاية

تعتبر قضية الشريعة الإسلامية وتطبيق القوانين والأحكام المتعلقة بها من القضايا الشائكة فى واقع الدولة السودانية حيث كان ولايزال موضوع الشريعة من المواضيع التى يثير طرحها الكثير من الجدل، لاسيما أن السودان يعتبر من البلدان القليلة على مستوى العالم التى تتميز بتنوع عرقى وإثنى وثقافى كبير وعلى الرغم من أن أغلبية سكان السودان من المسلمين مع وجود مجموعات أخرى غير مسلمة وتنتمى لديانات عديدة منها المسيحية وعدد من الديانات الافريقية الأخرى، إلا انه يلاحظ أن موقف الاغلبية المسلمة غير موحد تجاه قضية تطبيق الشريعة وكل من المؤيدين والمعارضين لهم مبرراتهم فى ذلك، فحينما نال السودان إستقلاله عن بريطانيا فى العام 1956م لم تكن قضية الشريعة من القضايا الملحة فى تلك الفترة حيث أن نظام الحكم الديمقراطى كان هو القضية التى تشغل بال الساسة فى السودان ولم تكن هنالك قوى سياسية ترى غضاضة فى إستمرار الحكم بالدستور العلمانى الذى تم إقراره حينئذ داخل الجمعية التأسيسية (مجلس النواب) وأستمر الحال كما هو عليه حتى بدأ تيار الإخوان المسلمون فى التنامى بالإضافة إلى بعض المجموعات الإسلامية الأخرى وطالبوا فى ستينيات القرن الماضى بضرورة صياغة دستور إسلامى لحكم السودان، ولأن تلك القوى لم تكن تشكل أغلبية داخل البرلمان السودان لم يستطيعوا أن يجدوا القبول لدعوتهم تلك حتى إنقلب مجموعة من ضباط الجيش على السلطة بقيادة العقيد جعفر نميرى ليغلق باب الحديث عن الدستور الإسلامى الذى لم يكن أحد القضايا التى طرحها العسكر.
قوانين الشريعة الإسلامية واقعاً لأول مرة
أستمر الحال على ماهو عليه حتى العام 1983م حيث كان نظام النميرى قد عقد مصالحة مع قادة الأحزاب السياسية تم السماح لهم بموجبها بممارسة العمل السياسى فى إطار السلطة الحاكمة وقد إستغل الإخوان المسلمون تلك الفرصة التى اتيحت لهم للدخول إلى السلطة وإقناع النميرى الذى كان يعانى نظامه من ازمات إقتصادية وسياسية كبيرة إستطاعوا إقناعه بضرورة تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية وتنصيبه أميراً للمؤمنين وبالفعل إستمع النميرى لنصيحة الأخوان المسلمون وقام بإقرار القوانين الإسلامية، لكنه لم يمكث أكثر من عامين فى السلطة حيث أطاحت به إنتفاضة شعبية فى العام 1985م ، لتعود الحياة الديمقراطية من جديد ويتراجع الحديث عن الشريعة الإسلامية وتطبيقها فى البلاد، بل وإعتبرها البعض أحد العوامل التى فاقمت الحرب التى إشتدت ضراوتها فى جنوب البلاد ذى الأغلبية غير المسلمة، ولم يستمر النظام الديمقراطى لاكثر من اربع سنوات حتى قام الإخوان المسلمون بإنقلاب عسكرى عبر بعض الضباط المنتسبين إليهم داخل القوات المسلحة وأستلم السلطة فى البلاد العميد عمر البشير الذى تحدث عن أن الشريعة الإسلامية هى إحدى الثوابت التى لن يتم التنازل عنها.

الشريعة سبباً فى تفاقم حرب الجنوب
نظام البشير لم يهدأ له بال بسبب إشتداد ضراوة الحرب فى جنوب السودان التى أعطتها مسالة تطيبق الشريعة بعداً آخر حيث إعتبر البشير المجموعات المسلحة التى كانت تقاتل الحكومة المركزية إعتبرهم كفاراً وخوارج يجب قتالهم الأمر الذى دفعهم لرفع سقف مطالبهم من الحكم الذاتى فى إطار السودان الواحد إلى الى المطالبة بحق تقرير المصير لشعب الجنوب ذى الاغلبية غير المسلمة ، وامام الضغوط الدولية والداخلية التى تعرض لها نظام البشير قام فى عام 2005 م بتوقيع إتفاقية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان الفصيل الأكبر الذى كان يقاتل فى الجنوب وقد نصت تلك الإتفاقية على إقامة نظام تشريع مزدوج فى السودان يعمل على تطبيق الشريعة فى الشمال والعمل بالقوانين العلمانية فى الجنوب وإعطاء شعب جنوب السودان حق تقرير المصير فى العام 2011 م .

الشريعة بعد إنفصال الجنوب
الآن وبعد ان إختار مواطنى جنوب السودان الإنفصال وإقامة دولة أخرى فى الجنوب عاد الحديث عن الشريعة الإسلامية للسطح مرة اخرى حيث يرى البشير ومجموعة من القوى السياسية فى الشمال ضرورة الإعلان عن التطبيق الشامل لقوانين الشريعة الإسلامية فيما ترى مجموعة من القوى السياسية الأخرى أن تطبيق الشريعة الإسلامية لايمكن أن يقرها نظام البشير بل الشعب السودانى هو من يحدد ذلك عبر حكومة وبرلمان منتخب بصورة شرعية. حيث وصف محمد حسين شرف، المتحدث باسم حركة العدل والمساواة فى القاهرة الحديث عن الشريعة بأنه مستفز لكل التعدد العرقى والدينى والإثنى والثقافى فى السودان، ويعبر عن الاضطراب الذى يعيشه النظام السودانى ورئيسه وهما المسئولان عن فصل جنوب السودان وعن الحالة الاقتصادية المتردية والغلاء الفاحش الذى يعانى منه المواطن السودانى اليوم. فيما يرى الطيب مصطفى زعيم منبر السلام العادل أن حديث البشير عن الشريعة قد أكد ما ظلوا يقولونه وهو أن الجنوب كان خصماً على هوية الشمال منذ أن ورطنا الانجليز في هذه الوحدة اللعينة على حد تعبيره. أما التشاكس بين الشمال والجنوب حول هوية السودان كان هو أس مشكلة الجنوب وهو كزواج القط من الفأر والليل بالنهار والشحمة مع النار.. والتنازع حول الهوية حسب قوله كان سبباً أساسياً للحرب مع الجنوب طيلة العقود الماضية وهو سبب التشاكس بين الشريكين خاصة وأن الحركة الشعبية قد تبنت مشروعاً علمانياً وظلت تدعو له من خلال مشروع ما يسمى بالسودان الجديد والآن والحديث لزعيم منبر السلام العادل عندما يذهب الله عنا الأذى بمغادرة الجنوب فإن الصراع حوله يكون قد انتهى تماماً وتحددت وجهة الشمال وانتهى التنازع ولذلك لن يكون هناك أي عائق امام استكمال واحتكام الشمال إلى دينه والاتجاه نحو بوصلته الحقيقية .

قادة الحركة الإسلامية لهم رأى مختلف
لكن هنالك موقف آخر عبر عنه كمال حسن عمر القيادى بحزب المؤتمر الشعبى الذى يتزعمه حسن الترابى الأب الروحى للحركة الإسلامية فى السودان والذى خطط لإنقلاب البشير عام 1989 م قبل أن يقوم الأخير بإيداعه السجن عام 1999 م بعد أن إختلف معه ليخرج ويؤسس حزب المؤتمر الشعبى حيث يؤكد الأستاذ كمال عمر القيادي البارز بالحزب على ان الرئيس ليس من سلطته إعلان الشريعة لأن الدستور هو عبارة عن إرادة الشعب وهي لا تصاغ عبر المنتديات العامة وإنما عبر واقع تأتي به الانتخابات الشفافة والنزيهة وقبلها يكون فيها إصلاح كامل لكل مؤسسات الدولة والحريات تم تأتي الشريعة والرئيس يمثل السلطة التنفيذية ويلتزم برغبة المجلس التشريعي. وأيضاً هنالك قوى محسوبة على اليمين لها رأى مختلف حول قضية الشريعة مثل الدكتور يوسف الكودة رئيس حزب الوسط الإسلامي الذى قال أنهم كحزب لديهم تحفظات على قضية الشريعة لأنهم كانوا يظنون أن نظام البشير بعد الانفصال سيحرص كل الحرص على قضية الوحدة الوطنية وبالطبع لم يكن الرئيس موفقاً في حديثه عن تطبيق الشريعة باعتبار ان دستور البلاد لا تحدده جهة واحدة أو حزب حاكم بل يحدده أهل السودان الممثلون في أحزاب شتى
.