الجمعة، 11 أكتوبر 2024

حكومة للبرهان في بورتسودان وأخرى للدعم في الخرطوم؟… هل يتكرر النموذج الليبي في السودان؟

 أدى فشل المفاوضات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في جنيف بسويسرا منتصف آب/ أغسطس 2024، إلى تصاعد المخاوف من اتّجاه طرفي الحرب في السودان إلى تشكيل حكومتين كلٌ في منطقة سيطرته، لا سيّما مع إعلان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، خلال لقاء مع الصحافيين في بورتسودان أواخر ذات الشهر، عن نيته تشكيل "حكومة مدنية" من التكنوقراط لإدارة شؤون البلاد.

لمزيد من التفاصيل أضغط الرابط التالي:


الخميس، 21 يوليو 2022

(نزيف الشرق) - الجزء الثاني

فيديوهات توثيقية تعرض شهادات حول بعض انتهاكات حقوق الإنسان التي صاحبت أحداث العنف الأهلي في ولايتي كسلا والبحر الأحمر.


(نزيف الشرق) - الجزء الأول

 فيديوهات توثيقية تعرض شهادات حول بعض انتهاكات حقوق الإنسان التي صاحبت أحداث العنف الأهلي في ولايتي كسلا والبحر الأحمر.


الاثنين، 14 مارس 2022

الباحث والناشط النقابي «محمد علي خوجلي» يستخلص دروس ثورة أكتوبر ويكشف عن المجموعة التي سعت لإجهاض شعار «عودة الجيش إلى ثكناته»

- جماهير أكتوبر خرجت من أجل استعادة الديمقراطية والسيادة الوطنية

- جمال عبد الناصر كان لايريد وجود نظام ديمقراطي في السودان


مجموعات سياسية وعسكرية عديدة دعمت ثورة 21 أكتوبر 1964، وأجبرت المجلس العسكري لنظام الجنرال إبراهيم عبود، على تسليم السلطة للشعب، لكن عدة محاولات جرت لاحقاً للانقضاض على مكتسبات الثورة تم إفشالها في مهدها، قبل أن تنجح مؤخراً تلك المجموعات في تمهيد الطريق لانقلاب 25 مايو 1969م، والذي قضى على آمال الشعب السوداني بتثبيت أركان نظام الحكم الديمقراطي، حيث جاءت بالحكم العسكري المايوي بديلاً لديمقراطية أكتوبر.
في الأسطر التالية يقدم الكاتب الصحافي المهتم بالتوثيق لتلك الحقبة الأستاذ محمد علي خوجلي، لـ (الجريدة) بعض الإضاءات حول أبرز الأحداث التي صنعها من انقلبوا على أكتوبر.

حاوره: عبدالهادي الحاج

لماذا لم تتمكن القوى التي أطاحت بنظام عبود، من الحفاظ على شعارات اكتوبر؟

الشعار الرئيس الذي رفعه معارضي الحكم العسكري كان هو (عودة الجيش إلى ثكناته)، وكل المذكرات التي صدرت عن تنظيمات الطلاب والعمال والمزارعين تبنت هذا الشعار، لكن القوميين العرب، سعوا لخرق هذا الشعار، من خلال قيادة انقلاب مضاد يُمكّن تنظيم الضباط الأحرار المحسوب عليهم من استلام السلطة، وحتى جعفر نميري ومجموعته حينما دعموا الحركة الجماهيرية المطالبة بعودة الجيش إلى ثكناته، وقبل أن يصل الأمر إلى نهايته وجدوا أنفسهم يمثلون المجموعة المسيطرة داخل الجيش عبر الإجراءات التي اتخذوها ومنها اعتقال كبار الضباط في المجلس العسكري التابع لنظام عبود، وأرادوا حينها الإنقلاب على شعار عودة الجيش إلى ثكناته، وهذا ما عارضه الضباط الشيوعيين، ولم يتفقوا معهم في ذلك ما دفع النميري لاعتبار موقف الشيوعيين بمثابة خيانة لهم، لذلك نجد أن المجموعة التي نفذت لاحقاً انقلاب مايو 1969م، كانت هي ذات المجموعة التي أرادت الانقلاب على شعار ثورة أكتوبر المتمثل في عودة الجيش إلى ثكناته.

لكن تلك القوى اشارت إلى دعمها للديمقراطية وعودة السلطة للشعب؟

لا يمكن بأي حال وصف تلك القوى بانها ديمقراطية، وحينما تسلموا مقاليد السلطة لاحقاً في مايو 1969م، انتقدوا الديمقراطية، وما يؤكد ذلك الإجراءات التي اتخذوها مثل حل الأحزاب بموجب الأمرين الجمهوريين (1) و(2)، و اللذان قضيا بحظر النشاط السياسي.

ماذا كان دور القوى الديمقراطية وسط اليسار؟

كانت هنالك مجموعة من اليسار تعمل على دعم سلطة الجبهة الوطنية الديمقراطية، وهذا يتضح من خلال حديث سكرتير الحزب الشيوعي الشهيد عبدالخالق محجوب، والذي ذكر فيه أن الإضراب السياسي رغم أنه عمل إيجابي تحقق له النجاح إلا أنه انطوى على جوانب سلبية تمثلت في عدم وجود قوى تعمل على حمايته، ومثلما فكّر القوميين العرب في الإنقلاب على أكتوبر، فإن الشيوعيين كانوا يفكرون بصورة أخرى وشكل آخر يرى عدم وجود قوة عسكرية لحماية مكتسبات ثورة اكتوبر وعدم وجود جبهة وطنية ديمقراطية على اعتبار أن جبهة الهيئات متعددة وتضم مجموعات من اليمين، ومع ذلك نجد ان الشيوعيين قد توقفوا عند هذا الحد، وبالضرورة عارضوا انقلاب القوميين العرب وتحديداً الناصريين، وكانوا على قناعة بأن جمال عبد الناصر، ما كان له أن يسمح بوجود نظام ديمقراطي في السودان، لذلك لاحقاً اشرف بشكل مباشر على انقلاب مايو 1969م وهو المحاولة الناجحة بعد المحاولة التي تم إجهاضها في نوفمبر 1964م.

هل ثمة قاسم مشترك دفع تلك القوى لاتخاذ هذه المواقف؟

القاسم المشترك بين تلك المجموعات هو عدم قناعتها بالديمقراطية الليبرالية الغربية التي جاءت بها ثورة أكتوبر، والذين دعموا هذا الإتجاه كانوا يشيرون إلى أن الأحزاب التي سلمت السلطة للجنرال عبود، هي التي فازت في أول انتخابات بعد ثورة أكتوبر، ونلاحظ أن أول حكومة تم تشكيلها بعد نجاح الثورة قد سيطرت عليها جبهة الهيئات واليسار والهدف منها كان إبعاد الأحزاب التقليدية عن السلطة، لكن الأخيرة اصطفت من أجل هدفان أساسيان وهما اضعاف حكومة جبهة الهيئات واليسار ومن ثم الضغط لتكون الفترة الإنتقالية قصيرة جداً لإجراء الإنتخابات، وهذا ما كشفت عنه لاحقاً وثائق بريطانية، لانه بإجراء الإنتخابات سوف تعود القوى التقليدية للسلطة، وهو ما حدث بالفعل وأدى لعودة الممارسات السابقة من قبل تلك القوى ونتج عنها في خاتمة المطاف حل الحزب الشيوعي السوداني وطرد نوابه من البرلمان.

ماهو الدرس المُستفاد من تلك الأحداث؟

الدرس الرئيس المُستفاد من تلك الممارسات، هو أنه ليس بالضرورة الأخذ بالديمقراطية الليبرالية بشكلها الغربي، ومع ذلك فإن أي شكل آخر لنظام الحكم لايُجدي نفعاً، لأن من عارضوا نظام عبود ووقفوا ضده وخرجوا في 21 أكتوبر، لم يفعلوا ذلك بسبب الأوضاع الإقتصادية السيئة، بل لسببين هما غياب الديمقراطية، والميل نحو الأجنبي، وكانوا يرون حينها أن السودان كأنما صار ولاية امريكية بسبب التدخل الأمريكي في شؤون البلاد، وكذلك تدخل الدولة المصرية، لذا يمكن القول أن جماهير 21 أكتوبر خرجت إلى الشارع من أجل استعادة الديمقراطية والسيادة الوطنية، وهذا ما يفسر الهجوم الذي تعرضت له السفارتين الأمريكية والمصرية خلال أيام الثورة.

من أرشيف صحيفة الجريدة السودانية- نُشر في أكتوبر  2018

السبت، 12 مارس 2022

«بورتسودان أكواريوم» .. قصة أول متحف بحري في السودان


بورتسودان – عبدالهادي الحاج
يُعتبر (بورتسودان أكواريوم) هو المتحف البحري الأول من نوعه في السودان والذي تمّ إفتتاحه خلال فعاليات مهرجان البحر الأحمر للسياحة والتسوق السابع، وتشرف عليه كلية علوم البحار والمصائد بجامعة البحر الأحمر، وقد تم إنشاء بورتسودان أكواريوم بشراكة بين حكومة الولاية وجامعة البحر الأحمر.

تاريخ الفكرة

على الرغم من أن فكرة قيام متحف بحري في السودان ليست جديدة إلا أن عدة عقبات حالت دون أن يرى المشروع النور خلال الفترة السابقة حيث أنشئ مبنى المتحف فى سبعينيات القرن الماضى فى عهد محافظ البحر الأحمر آنذاك عبدالرحمن سليمان وجاءت فكرة إنشاء متحف بحري فى ذلك الوقت بتشجيع من جامعة كامبريدج، وظل المبنى موجوداً طيلة هذه الفترة دون أن يشهد أى تطوير.

تنفيذ المشروع

بعد إنشاء كلية علوم البحار والمصائد بجامعة البحر الأحمر كان ضمن أهدافها الأساسية قيام متحف خاص بالأحياء البحرية، ليتم تأهيل المبنى ومن ثم الشروع بصورة جادة في قيام المتحف حيث بدأت عدة إتصالات بين كلية علوم البحار وحكومة ولاية البحر الأحمر أسفرت عن تكوين لجنة لبحث متطلبات العمل وتم استجلاب خبير من جنوب أفريقيا بواسطة منظمة حوض البحر الأحمر وخليج عدن (بيرسكا) وتم وضع التقديرات الأولية للمتحف، لكن لإرتفاع تلك التقديرات وضعت الجامعة تقديرات أقل وافقت عليها حكومة الولاية وعلى الفور تم الشروع في تنفيذه إلى أن أصبح اليوم حقيقة.

محتويات المتحف

يضم المتحف أحواضاً للأسماك البحرية تحتوي على عدة أنواع من أسماك الزينة بالإضافة إلى أحياء بحرية أخرى تشمل الفقاريات واللافقاريات كما يشمل عدة نماذج من الجيولوجيا البحرية ومن المتوقع أن تُضاف إليه في المستقبل القريب نماذج لأدوات الصيد القديمة. كذلك يحتوي المتحف على أكثر من 300 نوعاً من الأسماك والكائنات البحرية مع وجود خطة لإضافة حوالي 5000 نوع مستقبلاً، وقد بلغت التكلفة الكلية لإنشاء المتحف في مرحلتها الأولى حوالي 500 الف جنيهاً.

أبواب مُشرعة

يفتح المتحف أبوابه لاستقبال الجمهور من مختلف الفئات، كما يستقبل البعثات والوفود الرسمية وذلك مقابل أسعار رمزية يرجع عائدها لتطوير معداته، إضافة لتغطية نفقات الأسماك والحياء البحرية من طعام وغيرها، وذلك بإشراف مباشر من جامعة البحر الأحمر ممثلة في كلية علوم البحار والمصائد.


«الكجر والثوار» .. تدريب جديد لأفراد الشرطة السودانية يحاكي اشتباكات شوارع الخرطوم



الخرطوم – عبدالهادي الحاج

مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات الرافضة للانقلاب العسكري في السودان، بدأت قوات الشرطة تدريبات خاصة لمنسوبيها تعتمد على تكتيكات تحاكي الاشتباكات وعمليات الكر والفر التي تتم بين الثوار والقوات التي تعمل على فض الاحتجاجات.

وبحسب مصدر شرطي تحدث لـ (مصابيح)، فإن التدريبات التي انطلقت منذ أسابيع بمعسكر شرطة الاحتياطي المركزي جنوبي العاصمة الخرطوم، تعتمد على تكتيكات تقسيم المتدربين إلى مجموعتين، أحدهما تلعب دور الشرطة والأخرى تلعب دور المتظاهرين.

وذكر المصدر الذي فضّل حجب اسمه أن التدريبات تعمد على استخدام الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية والهراوات التي تستخدم في فض الاحتجاجات.

فيما أكد حدوث العديد من حالات الاختناق بين المتدربين نتيجة لاستخدام الغاز المسيل للدموع، الأمر الذي دفع الشرطة لتوفير سيارات إسعاف لنقل المصابين إلى المستشفى.

ونوه إلى أن التدريبات الزامية لكل أفراد الشرطة الذين يشاركون في عمليات قمع الاحتجاجات، وأن بعضهم قد أطلق عليها إسم (الكجر والثوار).

واستمرت الاحتجاجات في السودان بصورة شبه يومية منذ الانقلاب العسكري الذي نفذه قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي.

ويطالب المحتجون بالحكم المدني الكامل خلال الفترة الانتقالية في السودان وإبعاد العسكريين من المشهد السياسي.

الجمعة، 11 مارس 2022

الشريفة مريم الميرغنية .. منارة شرق السودان السامقة

سنكات – عبدالهادي الحاج

عند مدخل مدينة سنكات التي ترقد هانئة بين أحضان تلال البحر الأحمر، تقف تلك (القُبة) الشامخة لتستقبل زوارها وتحكي لهم تاريخ واحدة من أهمّ شخصيات شرق السودان التي لعبت دوراً إجتماعياً بارزاً، وصارت علماً مميزاً من أعلام السادة المراغنة، وهي الشريفة مريم الميرغنية، التي أصبح ضريحها معلماً وساحة للقاء كبير يضم آلاف الحاضرين من مختلف بقاع السودان، في اليوم الأول لشهر رجب من كل عام والذي يُصادف الذكرى السنوية لحوليّة الشريفة مريم الميرغنية.

أم البركات 


الشريفة مريم الميرغنية أو (ستي مريم) أو (أم البركات) كما يسمونها هي ابنة السيد محمد هاشم بن السيد محمد عثمان الميرغني الختم مؤسس الطريقة الختمية، ووالدتها هي فاطمة أحمد عاولي، قرأت القرآن وعلوم الفقه في زاوية جدها السيد محمد عثمان الميرغني الختم، التي أنشأها خصيصاً لتعليم النساء أمور دينهن، و اقترنت بابن عمها السيد محمد عثمان تاج السر الميرغني الذي ولد في العام 1266 هـ ودفن بجوار مسجده الذي بناه في مدينة سواكن، ومنذ وفاة زوجها نهضت بأعباء الدعوة إلى الله وإرشاد المُريدين في مناطق البحر الأحمر، وكانت مهمومة إلى حد كبير بتعليم النساء.

الأعمال الخيرية 


قامت الشريفة مريم خلال حياتها بالعديد من الأعمال الخيرية التي يذكرها لها الناس وكانت مثالاً في الورع والتقوى والزهد إلى أن توفيت في الأول من شهر رجب للعام الهجري 1371 الموافق للعام 1952م وكانت وفاتها في مدينة بورتسودان بعد مُعاناة مع المرض إلا أنّ مريدوها وأهلها نقلوا جسمانها إلى سنكات ليتم دفنها هناك على حسب وصيتها، ومنذ ذلك التاريخ ظلت حوليّة الشريفة مريم الميرغنية حدثاً لايمكن لمدينة سنكات أن تتجاوزه، على الرغم من أن حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير، قد منعت في سنواتها الأولى قيام الحوليّة وحدّت من جميع مظاهر الاحتفال المتعلقة بها، إلا أنها عادت وسمحت بها بل وشارك في ذلك العام المشهود نائبه – حينها - على عثمان محمد طه، وبحضور السيد محمد عثمان الميرغني، عقب عودته للسودان بعد طول غياب.

مؤتمر سنوي 


يقول الخليفة صلاح عبادي وهو أحد خلفاء الطريقة الختمية بشرق السودان، إن حوليّة الشريفة مريم الميرغنية تعتبر ذكرى طيبة ومؤتمر سنوي راتب يجمع شمل جميع أحباب ومريدي الطريقة الختمية، كما تُمثل فرصة طيبة للقاء يجمع عدد كبير من الخلفاء بالسادة المراغنة.
ويضيف: "حتى خلال الفترة التي منعت فيها الحكومة قيام الحوليّة كان الناس يحيونها في المساجد وفي مناطق مختلفة في ذات التاريخ، وذلك إنما يدل على حب الناس لذكر مآثر الشريفة مريم والدعوة لها بالرحمة والمغفرة".

ويتابع "عبادي": "في الماضي كانت مظاهر الاحتفال بالحوليّة تبدأ منذ وقت مُبكر حيث تستعد النسوة بإعداد الكسرة خلال الأيام التي تلي المولد وفي ليلة الأول من شهر رجب تكتمل مظاهر الإحتفال".

 إمرأة غير عادية


تبدأ مظاهر الاحتفال بالحوليّة بعد ظهر اليوم الأول من شهر رجب وحتى منتصف الليل، حيث يقوم الحاضرين بتلاوة القرآن، والمدح والدعوات بالترحّم على روح الشريفة مريم، كما يشتمل على لقاء كبير يضم السادة المراغنة بخلفاء الطريقة الختمية للتشاور والتفاكر وتقديم النصح والإرشاد.

وخلال أيام الإحتفال تشهد مدينة سنكات أكتظاظاً بالسكان حيث يأتي المحتفلون من ولايات الشمالية وكسلا والقضارف بالإضافة إلى الوفود الضخمة التي تأتي من مختلف مناطق ولاية البحر الأحمر.

يقول الباحث في التراث البجاوى جعفر بامكار، إن الشريفة مريم الميرغنية لم تكن امرأة عادية فقد كانت زعيمة للختمية وكانت شخصية سياسية وامرأة فاضلة لها دور اجتماعي فاعل في شرق السودان، وفي إحدى المراحل تولّت الإشراف على الطريقة الختمة بأتباعها المنتشرين في العديد من البلدان.
ويضيف بامكار: "كانت للشريفة مريم علاقة بالحكومة البريطانية التي كانت تستعين بها لحل بعض الإشكاليات الاجتماعية التي تواجهها، كما كانت لها علاقة بالحكومة المصرية التي أشرفت بصورة مباشرة على علاجها في أيامها الأخيرة".

ويواصل: "إن الذكرى السنوية لوفاة الشريفة مريم صارت حدثاً له مدلوله الإجتماعي عبر استغلاله كسانحة للقاء بين مختلف أتباع الطريقة الختمية وأيضاً إحياء الطقوس المرتبطه بالطريقة، كما أصبح يشبه إلى حد ما مهرجانات الاحتفاء بالشخصيات العُظمى التي يُحيها الأوروبيين".


الأربعاء، 9 مارس 2022

19 ديسمبر .. طلاب المدارس الثانوية يطلقون شرارة الثورة السودانية في بورتسودان



بورتسودان – عبدالهادي الحاج


صبيحة التاسع عشر من ديسمبر 2018، أدرك طلاب مدرسة التدريب المهني ببورتسودان، استحالة تقبل الارتفاع الكبير في سعر قطعة الخبز الواحدة التي بلغت ذلك اليوم 3 جنيهات، فقرروا الإحتجاج والتظاهر.

من سوق (هدل) القريب من المدرسة انطلقت الشرارة بالتزامن مع موعد تناول وجبة الإفطار، والتي سرعان ما انتقلت إلى مدرسة عبدالله احمد ناجي الثانوية بـ (سلالاب)، حيث خرج طلابها وتعالى هتافهم في شارع المدارس شاقاً مربعات الحي ودافعاً طلاب المدارس الأخرى للخروج والالتحام بموكبهم.

لم تكن براكين الثورة تحتاج لوقت طويل حتى تصل لمدارس القطاع الجنوبي باحياء كوريا وديم سواكن، ثم تنجح في إلغاء برنامج الزيارة التي رتب لها الرئيس المخلوع لبورتسودان في ذلك اليوم، وتدفعه مُجبراً للعودة إلى الخرطوم، بعد ان اكتفى بحضور فعالية خاطفة للجيش بمنطقة عروس العسكرية شمالي المدينة.

بعد مرور عام من ذلك اليوم الذي عبرت بعده البلاد لمرحلة جديدة في تاريخها، يستعيد الطلاب وأساتذتهم في بهو مدرسة التدريب المهني بحي الثورة، تلك اللحظات التي قرروا فيها مغالبة حالة الصمت على سوء الحال، وحكي بعضهم لـ (الحداثة)، عن حالة الغضب الجماعية التي اعترتهم عندما علموا انه لم يعد بمقدورهم تناول وجبة الإفطار بسبب الزيادة العالية في سعر الخبز، لكنهم كما ذكروا لم يدر بخلدهم أنهم كانوا يدونون فصلاً جديداً في كتاب ثورة ديسمبر، ويساهمون في إيقاد شعلتها التي كبرت فاصبحت لهيباً تمدّد في كل انحاء السودان.

وفي الجانب الآخر يحكي مدير مدرسة عبدالله احمد ناجي الثانوية عبد الرحيم فرح، عن عزم طلابه على إنهاء حقبة كالحة من تاريخ بلادهم، ويقول: "خرجوا غاضبين من المدرسة أغلقوا الطريق ووضعوا عليه الحجارة، كانوا يدركون أن الأوضاع الإقتصادية قد بلغت مبلغاً من سوء الحال".

يعود فرح ويتذكر: "بعد طابور الصباح علمت من الشخص المسؤول عن كافتيريا المدرسة، أن الخبز المتوفر لديهم لا يتجاوز 80 قطعة، وهي بالطبع لا تكفي حاجة مدرسة يدرس بها 500 طالب، وعندما اتصلت بإدارة التعليم و أبلغتهم بهذا الوضع السئ، وعدوني بحل الأمر لكن لم يفوا بوعدهم".

عند حلول موعد الإفطار خرج الطلاب من الفصول إلى الشارع، ولم يكن بإمكان المدير منعهم، أو إجبارهم على البقاء في المدرسة التي باتت خالية من قطعة خبز واحدة، ويضيف: لـ (الحداثة)، "توجهوا صوب المخابز القريبة من المدرسة، ثم واصلوا سيرهم حتى سوق (المنقبة)، وفي تلك اللحظات كان طلاب مدارس الأساس الشرقية والغربية قد التحقوا بهم، و تجمهروا في موكب ضخم وصل حتى (السوق الشعبي) لتبدأ بعد ذلك القوات الأمنية في الإنتشار واعتقال عدد منهم".

وفي الذكرى الأولى لثورة ديسمبر التي تتزامن مع ذلك اليوم، بدأ فرح مزهواً بطلابه، وقال "خروج طلاب مدرسة عبدالله ناجي، يوم 19 ديسمبر، يمثل قلادة شرف بالنسبة لنا".

يقول الصحفي والناشط السياسي أمين سنادة، أبرز ما نتج عن الإحتجاجات التي شهدتها بورتسودان في التاسع عشر من ديسمبر، هو إلغاء زيارة الرئيس المخلوع للمدينة في ذلك اليوم، واكتفاءه بمخاطبة قوات عسكرية في قاعدة عروس شمال بورتسودان.

ويضيف: لـ (الحداثة)، "كذلك شهدت بورتسودان في ذلك اليوم اعتقال أكثر من 52 شخصاً، وهو عدد كبير لم تشهده المدينة من قبل".

يشير سنادة إلى أن الإحتجاجات التي عمت بورتسودان في ذلك اليوم، جاءت كنتاج لتراكم حراك ثوري متصاعد شهدته منذ بداية العام تمثل في إضراب عمال الشحن والتفريغ بالميناء مطلع شهر مايو وتظاهرات المياه خلال يونيو.

ويتابع: "لاحقاً شهدت بورتسودان اضخم موكب في تاريخ المدينة في الثالث من يناير، وكذلك موكب 24 يناير الذي حدثت فيه اشتباكات بين منسوبي القوات المسلحة وجهاز الأمن".

ويعتقد سنادة إن أكثر من كان يميز حراك بورتسودان هو المشاركة الكبيرة للنساء، والتي استمرت حتى ما بعد سقوط البشير، ويضيف: "في السابق كانت مشاركة النساء تقتصر على الطالبات فقط، لكننا شهدنا مشاركة قوية من كل الفئات النسائية".

من أرشيف صحيفة الحداثة السودانية

طائرة إماراتية ضمن طاقم الطيران الرئاسي السوداني!!


عبدالهادي الحاج

لم تبلُغ الدولة السودانية مبلغاً من الإنحطاط والهوان؛ مثلما هي عليه الآن تحت حُكم زعيم الجنجويد نِصفُ الاُميّ وربيبه قائد "جيش الهنا". هذا الثنائي الانقلابي لايهمه أن تُمرّق سيادة البلاد وتُسلب كرامتها بصورة لم تشهدها حتى في أكثر عُهودِها تيهاً.
فبعد أن جعلت منهما مجرد "مرتزقة" وخُداما لمصالحها، هاهي دولة الإمارات "كفيل الانقلابيين" توفّر لهما "طائرة رئاسية" مُسجلة ضمن أسطول طيران"الإتحاد" الإماراتي، وتحمل الرمز الدولي لدولة الإمارات، لتقضي حاجة أسفار عملائها الخُلص الذين اختطفوا "سيادتنا" بفوهة البندقية.
ليت تلك الطائرة كانت بلا شعار أو ليس عليها ما يرمزُ لبلادنا؛ ليدعيا بأنها مستأجرة أو أو مهداة أو غير ذلك مما يُبرّر لخيبتهما، لكن للأسف رُسم على الطائرة علمنا وكُتب على جانبيها باللغتين العربية والإنجليزية "جمهورية السودان".
ربما كان الأمر أهون لو أن تلك المهزلة انتهت عند هذا الحد؛ بل ما هو أنكأ من ذلك أنها تتخذُ من مطار أبوظبي مستقراً لها، وبالضرورة ذلك يعني أنّ استخدامها لايتم إلا وفق ماتقتضيه حاجة "الكفيل".
هذه الطائرة الرئاسية هي التي أقلت زعيم الجنجويد خلال رحلته "المشؤومة" إلى روسيا، ثم أعادته للسودان، بعد انتظار دام 6 أيام قبل أن تغادر لمَرْبِضها بالعاصمة الإماراتية.
اُفتضِح أمر هذه الطائرة؛ في سبتمبر من العام الماضي، حينما تداول رواد وسائط التواصل الإجتماعي صور لها في مطار أبوظبي، ومنهم من ذكر أنها هدية من دولة الإمارات للحكومة السودانية.
لكن إدارة الطيران الرئاسي نفت - حينها - أن يكون لديها طائرة من ذلك الطراز، فيما ذهب البعض إلى أنّ صورة الطائرة قد تم التلاعب عليها بواسطة تقنية تعديل الصور "فوتوشوب".
بيد أن رحلات ومعلومات الطائرة لة التي تحمل الرمز (A6 - EIP) وهي من طراز الأيربص 320، مبزولة على شبكة الإنترنت، ويمكن الحصول عليها بكل بساطة من موقع تتبع حركة الطيران.
مهما يكن من أمر؛ فإن تسجيل الطائرة، يؤكد أنها مازالت مملوكة للحكومة الإماراتية، وبقائها في مطار أبوظبي يعني أنها لم تُقدم كهدية للسودان، بل هي طائرة "إماراتية" تستخدم لمهام خاصة تحت غطاء الطيران الرئاسي السوداني.



الثلاثاء، 8 مارس 2022

لماذا يرهبوننا؟


الخرطوم – عبد الهادي الحاج

بعد مرور نحو عام على تشكيل الحكومة الانتقالية في السودان، ما زال الصحفيون يتعرضون للانتهاكات والتضييق الذي يهدف لمنعهم من القيام بواجبهم المهني، وذلك عبر الإعتقال المباشر والتهديد بتدوين بلاغات جنائية في مواجهتهم. وتأتي هذه الممارسات بالتزامن مع إعلان الجيش تعيين مفوض باسم قائده العام لتدوين بلاغات ضد ناشطين وإعلاميين وفقا للقانون الجنائي وقانون الصحافة والمطبوعات وقانون جرائم المعلوماتية، الذي تم تعديله مؤخراً ليتضمّن عقوبات مشددة.


واحتجزت قوة تتبع للدعم السريع (الأحد) الماضي، الصحفي بقناة (الحرة) علي الدالي، ومصور القناة، وذلك خلال تغطيتهم لإنحسار منسوب النيل الأبيض، بمنطقة الشجرة بالخرطوم، قبل أن تفرج عنهم لاحقاً.


وبحسب بيان للجنة التمهيدية لإستعادة نقابة الصحفيين السودانيين، فإن القوة التي تتبع للدعم السريع احتجزت الدالي وكادر التصوير لمدة 5 ساعات، كما صادرت هواتفهم النقالة وبطاقاتهم الصحفية، فيما عبّرت اللجنة عن رفضها لما وصفته بأسلوب "البلطجة وتكيميم الأفواه" ومنع الصحافيين من أداء مهامهم في ظل حكومة الثورة.


ودعت اللجنة في بيانها وزارة الإعلام ومجلس الوزراء للاضطلاع بدورهما في حماية الصحافيين.


وبعد مرور يوم واحد على احتجاز الصحفي بقناة (الحرة) على الدالي، تعرض الصحفي عادل إبراهيم (كلر)، لتهديد من ضباط بالجيش يحمل رتبة لواء، وذلك خلال نقاش في حلقة تلفزيونية من برنامج (دائرة الحدث)، الذي تبثه قناة سودانية 24، حيث دعا ضابط الجيش لتدوين بلاغ ضد الصحفي (كلر) بسبب ما أسماه تناول أسرار عسكرية.


من جانبها أدانت شبكة الصحفيين السودانيين، ما قالت إنها محاولة لإرهاب الصحفيين والإعلاميين واسكاتهم ومحاصرتهم عن أداء دورهم في تنوير الرأي العام، ونددت في بيان لها بما تعرض له (كلر)، وأضافت: " إن هذا التهديد لا يخرج عن فكرة استهداف الصحفيين، ويحتمي ببيان الجيش الذي أكد فيه على فتح بلاغات ضد صحفيين وناشطين عبر قانون المعلوماتية المعيب، وما نشهده من تصعيد انما هو مقدمة لهجمة على الحريات التي انتزعها الشعب بثورته".


وبحسب بيان الشبكة كان (كلر) قد شارك في التاسعة من مساء (الأحد)، في إحدى حلقات البرنامج التي حملت عنوان: "الجيش بين حد الإساءة وحق النقد"، وتطرق أثناء مداخلته للقصف الذي تعرضت له البلاد خلال العهد البائد وشمل مصنعي الشفاء واليرموك وحادثة بورتسودان الشهيرة، وانفجار شحنة سلاح الأسلحة، ومقال العميد المتقاعد عبد العزيز خالد، عن ضوابط نقل الأسلحة والمتفجرات، وغيرها من أحداث ووقائع معروفة، الأمر الذي أثار غضب اللواء المذكور ودفعه إلى التهديد والإرهاب.


وتأتي هذه التطورات بعد أيام من بيان للجيش أعلن فيه تعيين ضابط مفوض عن قائده العام في مايو الماضي، متخصص في جرائم المعلوماتية لتدوين البلاغات ومتابعة الشكاوى ضمن فريق بإشراف المدعي العام العسكري وعضوية ضباط قانونيين من القضاء العسكري تتمثل مهامهم في رصد كافة الإساءات التي تمس القوات المسلحة بكل مكوناتها واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيالها.


وأشار بيان الجيش لرصد اللجنة المختصة لما وصفها بمخالفات وإساءات للقوات المسلحة باشرت عقبها تدوين بلاغات مع النيابات المختصة وفقا للقانون الجنائي في الجرائم الموجهة ضد الدولة وقانون الصحافة والمطبوعات وجرائم المعلوماتية الذي اجيزت تعديلاته مؤخراً.


من أرشيف صحيفة الحداثة السودانية

الأحد، 2 يونيو 2013

ألف زهرة على قارعة الطريق

عبد الهادي الحاج

المدينة المترهلة تنغمس رويداً رويداً في عتمة الليل.. وفي الحي العريق ثمة منزل كبير له باب خشبي يتسلل منه ضوء أحد المصابيح الكهربائية.
الهدوء يخيم على جميع طرقات الحي.. فى ركن قصي داخل إحدى غرف ذلك المنزل تجلس زهرة.. أطرافها ترتعش خوفاً من المكروه الذي ينتظرها.
حاولت أن تقاوم ذلك الخوف لكن قلبها الصغير لم يحتمل قسوة التصاوير التي تدور بمخيلتها.. واخيراً قررت الهروب إلى المجهول.
زهرة لم تكن تخاف شيئاً في تلك اللحظة أكثر من رؤية وجه أمها، أوما يفترض أن تكون أمها.. تسللت بين خيوط الضوء الصادرة من المصباح الكهربائي إلى رحابة الظلام الذي بدأ يلف الطرقات.
كانت زهرة تعتقد أن عتمة الليل ستكون أرحم من عتمة قلب الأم لذا لم تبالي بما يمكن أن ينتظرها في الظلام الدامس الذي دلفت إليه بعد أن تأبطت كيساً صغيراً جمعت فيه بعض ما يمكن أن يسد الرمق.
زهرة واحدة من ضحايا مشروع إعادة صياغة إنسان المدينة المترهلة.. خرجت للوجود وهي تحمل إثماً ليس لها فيه نصيب.. صرختها الأولى كانت صافرة إنذار ببلوغ الكارثة طورها الأخير.
بدأت حياتها وهي جزء من نفايات المدينة، ثم إلتقط بعض السيارة عارها وحملوه لحراس الأخلاق.
وفي حقبة ميلادها تفتقت آلآف الأزهار على الطرقات المظلمة، وحراس الأخلاق ماعاد بوسعهم ستر عورة مشروعهم.
اجتمع أصحاب الأيادي المتوضئة وقرروا التخلص من آثام مشروعهم البغيض بإفراغ المدينة من الزهور.. حيث تمكنوا من أسر عقول سكانها ببريق الدنانير.
حمل السكان آثام المشروع البغيض إلى بيوتهم .. فرحوا بمقدم الزهرات بصحبة الدنانير وهم يتدثرون زوراً برداء الإنسانية.
تنفس أصحاب الأيادي المتوضئة الصعداء بعد أن ظنوا أنهم تخلصوا من عار المدينة، لكن حينما خبأ بريق الدنانير ماعد بوسع السكان تحمل فاتورة المشروع البغيض.
منهم من رمى زهرته على قارعة المجهول.. ومنهم من لعن اليوم الذي ادعى فيه الإنسانية، وزهرة كانت من أولئك اللواتي كُتب عليهن الشقاء مرتين.
الأولى على يد أمها التي جعلتها جزء من نفايات المدينة، والثانية على يد تلك التي حملت اللقب مجازاً.
حدثها قلبها المكلوم بالعودة إلى الدروب المجهولة حيث صرختها الأولى.
أغلقت خلفها الباب الخشبي بإحكام وتركت خطاها الحائرة تبحث عن مرقد لأحلامها وسط الأزقة المظلمة.
قادتها رحلة التيه صوب كومة من القش لتستر داخلها ما تبقت لها من آدمية حيث فارهات أصحاب الأيادي المتوضئة تنثر عليها غبار الطرقات، ومصابيحها تكشف بؤس صنيعهم.
زهرة تجد نفسها مرة أخرى بين أيدي السيارة وترفض أن تقبر أحلامها خلف الباب الخشبي.. رفضت بذكائها الفطري أن تكشف سرها للسيارة، لكن حينما قرروا أخذها لحراس الأخلاق رفضت أن تكرر السيناريو بذات التفاصيل المملة.
إنتهت مقاومتها على وسادة دافئة عوضتها بعض مما سلبه منها رهق سنواتها الغضة.. تذوقت على تلك الوسادة الإحساس الحقيقي بإنسانيتها، لكن يا للأسف ذلك الإحساس لم يدم أكثر من ستون دقيقة.
إنتهت الأحلام السعيدة بما ظنته كابوساً مفزعاً تجسد لها في شخص الأم المجازية.
طوت زهرة ماتبقى من أحلامها الصغيرة وهي تودع الوسادة الدافئة مثلما طوت الأم المجازية أحلامها الكبيرة حينما ودعت بريق الدنانير.
الأم تحكم قبضتها حول اليد الصغيرة وتقودها نحو المنزل الكبير/ ثم تغلق الباب الخشبي خلفها بإحكام وتطفئ المصباح الكهربائي تاركة المنزل غارقاً في ظلامه الدامس وسكون الليل الذي يحمل قهقهة أصحاب الأيادي المتوضئة من مكان بعيد.

الأحد، 20 يناير 2013

نقوش على ذاكرة خربة: عامان على رحيل ماي


عبدالهادى الحاج

في الخامسة والنصف مساءً كانت العَربة قد وصلت محطتها الأخيرة..
درجة الحَرارة في المدينة تتجاوزُ الصفر ببضعة درجات.. الأعيُن المُبعثرة في المكان جَميعُها تَبحثُ عن قادم طال إنتظاره.. لم يَبذلُ (ماي) جهداً كبيراً ليَقتنصُنيي من بين مئات البشر الذين ضٌاق بهم المكان.
الدماء تتجمدُ في العروق من شدّة البرد، ودفء حُضور ماي يفتحُ لها الف شريانً لتَنَسابُ شوقاً وتحناناً.
كان كل شئ في المدينة يبدو جديداً في أول عهدي بها.. شوارعها .. بناياتها .. أرصفتها .. حاناتها .. إلا وجهُ ماي .. فقد كان هو الشئ الوحيد المألوف.
ماي اُسطورةً تربّعت على الوجدَان.. ونهراً يرفدنا بالرغبة في الحياة.. ماي قصةُ وطنٌ أصابته (عينُ الحَسَد).. لم ألتقيه من قبلٌ لكنني أعرفه جيداً.. أعرفه حينما حاربنا المُستعمر معاً في أرض النوير وغابات شيكان وسهول التيب وتاماي.. وأنقطعَتَ سيرتُه عندما ترك قريته الصغيرة هرباً من الحرائق والقتل وأصواتُ المدافع وأزيز طائراتُ الموت.. هرَبَ بعيداً عن رائحة الحرب وصَنَع رُكناً قصياً في فؤاده أسماه (الوطنٌ).. خَبأ فيه كل ماهو جميلُ عن أرض الأجداد.. فكان ذلك الرُكن بمساحة مليون ميل مُربع.. تعانقنا كأننا لم نتذوق طعمُ العناق من قبل.. سرنا فى أرصفة المدينة سوياً نقتسمُ روعة الحضور الذي لَم تُفسده سوى لغةُ المُستعمر.. فقد عَلَت أصواتُ الرصٌاص قبل أن تَهبَط رايةُ المُستعمر الذى خَرَج وترك لغته غريبةُ على الألسُن.. ماي يُعلمني كلّ صَباح كيف أعشق تفاصيل المديٌنة.. وكيف أردد أنشودّة طالما توارَتَ في القلوب خوفاً من طائرات الموت.. (أنت سوداني وسوداني أنا.. ضَمّنا الوادي فمن يُفصلُنا).. ففي تلك المديٌنة البعيدة عن قرية ماي خَرجت الأنشودة من مخبئها.. ورقصت سُكرى على سمفونية الوطن اللأمُتناهي.. ماي كان يسألني عن عزّة وعن الخَليل وعن دقنة وعلي دينٌار والسُلطان يامبيو وعن ترهاقا وبادي أبو شلوخ والماظ وعلي عبداللطيف.
ماي صار تحَية الصَباح ووداع آخر الليل وزَخَات المَطر عند منتصٌف النهار .. ماي صار رحيقُ الأمكنة ودفء الأزمنة .. المدينة صارت عندي كلها ماي.. فكان عصيّاً علي أن أمنحُها تحيةُ الوداع.. عصيّاً علي أن أجمع شتات الدّمع الذي تبعثَر في الطُرقات.. عصيّاً علي أن أفارق ماي.
همستُ في أذنه (أخشى أن أعود ولا أراك هنا مرة أخرى).. صمت طويلاً ولم يرَد.. عيناه أكملتا ملامح تلك اللوحة التراجيدية.. رحلتُ بعيداً عن ماي .. رحلتُ إلى (الوطن المجازى).. ذهبتُ أبحث عن قرية ماي لأخبرها عنه وعن وطن آخر شيدناه سوياً فلم أجَد القرية ولم أجد طائرات الموٌت.. ولم أجد سوى (ثوراً أسود) مذبوحاً على قارعة الطرٌيق.. يا إلهي ما الذي حدث؟؟ من الذى سَرَق القرية؟؟.. ياله من وطن (منحُوس).. وطن سرق أرضه اللصوص وقايضوه بثور أسود.
هرولتُ مُسرعاً نحو المدينة البَعيدة أبحثُ عن ماي.. أبحثُ عن حُلم تسرّب كما الماء بين تَشَقُقات الأرض.. أين أنت يا ماي.. يا للأسف ليس هناك من مُجيب.. كُل شئ في المدينة كما هو إلا وجه ماي.. بربك قل لي أين تختبئ ؟؟ أخرج لنعيد القرية المسٌروقة !! .. لم أترك شارعاً إلا وبحثتُ فيه عن ماي.. لم أترك حَجَراً إلا وسألتُه عن ماي.. في ذلك المقعد كان يجلسُ ماي.. من ذلك الدرب كان يأتي ماي.. من تلك النافذة كان يُناديني ماي.. بالله عليك أرحميني أيتها المدينة.. خبريني أين مكان ماي.. تركتُ المدينة وعُدت إليها ثم تركتُها مرّة أخرى وعدتُ وماي لم يعُد بعد.

***************
عامان منذُ أن ترك ماي المدٌينة .. عامان وأنا أبحثُ عنه بلاجدوى !!

نقوش على ذاكرة خربة: فاصل أخير قبل نهاية العام

عبدالهادي الحاج

قُرص الشمسُ يتهاوى خلف التلال التي ترسم فاصلاً بيننا وماتُخبيئه الأقدار.. المدينة سوف تتذوق طعماً مختلفاً هذه الليلة.. تُساورنى شكوك أن ثَمَة مجهولاً يتربصُ بي.. لكن من أين يأتي هذا المجهول؟؟ وكيف له أن يخترقَ قلاع الأفراح المنتصبة في يوم كأنما الناس جميعاً قد أتفقوا على أن يُخضبوه بها..
 صوتُها يأتي مُشتعلاً عبر الهاتف.. (مابك يا حبيبى تبدو مُتكاسلاً ؟؟ هل نسيت موعدنا الليلة؟؟ هل نسيت أننا قد تخطينا مئات الليالي لأجل هذه الليلة ؟؟).
نعم تخطينا مئات الليالي.. فهي كانت مُحقة فيما تقول.. من أجل ليلة واحدة هدمنا الليالي على كثرتها.. غُرفتي هي الأخرى كانت تقاسمني الريبة.. النافذة تحملُ أصوات من الخارج تبدو أقرب لصافرات الإنذار أو هكذا خُيل لي.
هدير مُحركات السيارات.. صيحاتُ النساء.. ضحكات الصبية.. وأيضاً لُعب الأطفال كان لها مكان في هذه الجوقة. 
تعترك الأصوات ثم تَنَفك.. تعلو ثم تنخفض.. وأخيراً تلاشت حينما رن جرس الهاتف مرة أخرى.. والصوت الآتي يسأل ثم يُجيب على نفس السؤال ويعود ليؤكد ثم ينفي.. ثم يتلاشى على أمل العودة ثانية.
لحظة مفصلية تضخم فيها إحساسي بالـ(شيزوفرينيا).. وكانما أصبحتُ شخصاً آخر نهض من نومه إثر كابوس مفزع.. رحت أبحث عن الهندام والعطر والمعطف والحذاء الأكثر أناقة.. شعرت أن لصاً قد تسلل وسرق إحساسي بالوقت.
الشَطَ .. نعم .. الشَطَ كان مقصدي حيث تُنصب الأفراح.. وتُصبح الأرض مستقرً ومتاعُ إلى حين.. وحيث تُضاء مصابيح الأحلام المؤجلة إلى الغد القريب.
بدت لي وهى تمتطي آخر ليلة في العام كأنما هي آخر أنثى في الكون.. لم أكن اُطلق عليها لقباً كبقية البشر الذين التقيهم.. ولم أصنعُ إطاراً يجمعني بها سوى أنها (اُنثاي الوحيدة).
تقدمت نحوي خطوة وهي تشقُ الأصواتُ الغريبة.. خطوة ثانية ثم ثالثة.. اخترقت جسدي بعطرها.. همست في أذني بأن هذا المكان أوسع من أن يحتملنا.. اقتلعتني ورحلت بي بعيداً عن الشَطَ.. بعيداً عن رغبتي.. حاولتُ أن .. ولكن لامجال فقد قُضي الأمر.
شعرتُ بأنه كان يجب علي أن أثور!!.. لكن لم أكن لم أعلم ما الذي يجب أن أثور من أجله.. هل لرغبتى في معانقة الشَطَ ؟؟ لا .. فالشَطَ كان رغبتها هي ؟؟ هل لرغبتي في المغادرة لمكان آخر ؟؟ لا .. فتلك رغبتها أيضاً ؟؟.
يالها من اُنثى مستبدة .. كثيراً ما استلبت إرادتي بلا ثمن.. تقول إحدى أساطير اليونان إن إله الحب وإله الجنون كانا صديقين لا يفترقان.. لكن ثَمَة خلاف وقع بينهُا تشاجرا على إثره فدارت معركة خرج منها إله الحب فاقداً بصره على يد صديقه الحميم.
اجتمعت كل الآله لفض الإشتباك وتحقيق العدل ومحاسبة المعتدي.. وخلُص الأمر لتجريم إله الجنون ومعاقبته بأن يقود إله الحب (الأعمى) مدى الحياة.
الأصوات تَشَتبك مرة أخرى.. وكذلك الأسئلة في مُخيلتي.. وهي تضغط على كفي بقوة وتسحبه خلفها كأنما تخشى أن يتلاشى.. ثم يزداد الضغط.. وتتباعد المسافة بيننا بطول الأيدي الممتدة.
يقفز سؤال من بين الأسئلة المتشابكة.. من تكون تلك المخلُوقة التي تَسحَبُني للمجهول.. يتضخم الإحساس المُختلط بحالة الـ(شيزوفرينا).. وبلا مُقدمات أروح أبحث عن غرفتي.. وعن صافرات الإنذار وأصوات لعب الأطفال.. واتسألُ عن هذه الفتاة التي آراها لأول مرة فى حياتي كمئات الفتيات.. عفواً فأنتي دخيلة على عالمي.. انا لستُ بذلك الحب الأعمى الذى يقوده الجنون.. أنا(حر) أستطيع أقرر متى أحتفل.. وأين أريد الذهاب..

(وكان ذلك هو اليوم الأخير في تلك السنة التي صَنَعتها هي)..